أضواء
بقلم يفيض حباً وطنياً...وورق يفوح عطراً قطرياً، أكتب اليوم عن «يومنا الوطني»، الذي نحتفل به مع إشراقة شمس هذا الصباح «الديسمبري»... ومع الخيط الأول لإشراقة الضوء الأول في شمسنا القطرية المتوهجة اليوم أكثر من كل الشموس الأخرى، أعود لأكتب وفاء للرسالة النبيلة التي تواصلت إلينا عبر الأجيال، جيلاً بعد جيل ،من الأجداد إلى الآباء، ووفاء للأهداف الوطنية التي رسخها «المؤسس الكبير» في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر في هذا البناء القطري الشامخ.في هذه المناسبة العظيمة، نستذكر باعتزاز وإجلال وتقدير تضحيات الرجال الأوائل، تحت قيادة مؤسس الدولة المغفور له الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ــ طيـب اللـه ثــراه ــ الذي تــولى قيادة البلاد في الثامن عشر من ديسمبر عام 1878م ،فجاهد جهاد المؤمنين لرفعة شأن وطنه وكافح كفاح الأبطال، وسطّر على تراب هذا الوطن الغالي ملحمة وطنية، استطاع من خلالها إرساء قواعد الدولة، وتثبيت أركانها، وترسيخ كيانها السياسي في شبه الجزيرة القطرية.لقد نجح «المؤسس» في جمع قلوب أبنائها وقبائلها على هدف واحد، لتنشأ بفضل الله وكرمه في تلك الحقبـــة الزمنــية دولة قطر الفتية، بعيداً عن التبعية السياسية، أو الانزلاق في مهاوي الاستقطاب نحو أي من القوتين المتنافستين في تلك الفترة على النفوذ والسيطرة على هذه المنطقة، وهما العثمانيون والبريطانيون.وما من شك في أن احتفالنا باليوم الوطني يعيد لنا تضحيات شعبنا القطري الكريم وبطولات رجالاتنا الأوائل تحت راية «الشيخ المؤسس»، الذي أمضى ــ رحمه الله ــ سنوات حكمه في معركة التكوين والتأسيس، وبذل خلالها جهوداً مضنية من الحكمة السياسية، والحنـــكة القــيادية، حتى تحـــقق له هدفه الوطني، من خلال توحيد القبائل القطرية داخل كيان سياسي واحد.لقد سخّر الله على يده لمّ الشتات وترسيخ الحكم وتحقيق الحلم بعيداً عن التشتت، في إطار وحدة وطـــنية قطرية، فشاع الخير في قطر، وانتشر الرخاء في كيان مستقر يعيش إنسانه القطري مرفوع الرأس، موفور الكرامة، محباً لقيادته وشيوخه الذين حققوا له الأمن والأمان.ولأن المحطات الكبـــيرة في تاريخ الشعوب لا يصنعها إلا القادة الكبار، فقد كان الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ــ رحمه الله ــ كبيراً في قيادته لمسيرة شعبنا القطري في تلك الحقبة، ولهذا سيبقى كبيراً في ذاكرتنا الوطنية.ولكل هذا.. من الصعب جداً كتابة تاريخ قطر السياسي بعيداً عن استعراض سيرة ومسيرة مؤسســـها الأول الشــيخ جاسم بن محمد بن ثاني، فقد كان ــ رحمه الله ــ الركيزة الأساسية في دعائم بيتنا القطري.كان ــ طيب الله ثراه ــ الحاكم الحَكَم، والوالد الحليم، والزعيم الحازم، والقائد الشجاع، والإمام الفقيه، والشاعر المبدع الملتصق بهموم شعبه وقضايا وطنه.كل هذه الصفات النادرة كانت مجسّدة في شخصه، فقد توحد مع الناس وأحبهم فأحبوه، وكان يعرف القطريين فرداً فرداً، ويعرفه القطريون على اختلاف مشاربهم وقبائلهم، فكانوا إن دخلوا مجلسه كأنهم في مجلسهم، وإن صافحوه صافحوا كبيرهم.. وكما قرأت عنه في كتب التاريخ، فقد كان حاكماً عادلاً، ما رأى باطلاً إلا حاربه، وما ناصر مظلوماً إلا نصره، ولهذا وجد فيه أهل قطر ضمانة لحياتهم وحريتهم وحركتهم واستقرارهم في وطنهم، واستمرارهم في العيش بكرامة على أرضهم في تلك الحقبة الزمنية المضطربة المليئة بالصراعات الإقليمية، والتقلبات السياسية ،والتشرذمات القبلية... باختصار نجح «المؤسس الكبير» في تأسيس دولة قطر في محيط مليء بالفتن والحروب والصراعات، رغم أنه لم يكن من السهل ترويض تلك الصعاب، لكن سلامة المنهج، ونُبل الهدف، مكّنا «والد القطريين» ــ طيب الله ثراه ــ من تجاوز العقبات وتخطي الصعوبات... ولأن صناعة التاريخ يتولاها دائماً القادة العظام، فقد كان الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني أحدهم، لأنه استطاع من خلال انتمائه لهذه الأرض، وحبه العميق لتراب وطنه، أن يصنع تاريخ قطر، وأن يؤسس كيانها السياسي المستقل والمستقر في هذه البقعة الجغرافية.كان ــ رحمه الله ــ من الرجال القلائل الذين صنعوا تاريخا مضيئاً لوطنه، وكان نموذجاً فريداً لرجل وضع مصالح شعبه نصب عينيه، فانطلق بإيمان لا حدود له، من أجل الخروج بوطنه من واقعه الصعب، وتحويل قطر من ممر إلى مقر دائم ، وقيادتها إلى واقع مشرق.لقد كان الحلم القطري الذي صنعه «الشيخ المؤسس» أسطورياً، لكنه الإصرار الذي لا يعرف اليأس، والجهد الذي لم يعرف الكلل، والعزيمة الصلبة التي لا تعرف المستحيل... وهكذا تحقق حلم «المؤسس» الذي أفنى حياته مثابراً ومكافحاً ومناضلاً في سبيل رفعة وعزة وطنه، وإعلاء شأن قطر، وسط كمّ هائل من التحديات والعقبات والصعوبات وتواضع الإمكانات، إلا من عزيمة قائد فذ، وطموحات زعيم لم يعرف لليأس طريقاً، ولم يعترف بالمستحيل معوقاً، أمام هدفه الوطني النبيل، ومشروعه القطري الكبير، لبناء وطن سياسي مستقل في شبه جزيرتنا القطرية.لقد قلب «الشيخ المؤسس» كل المعادلات السياسية القديمة السائدة في تلك المنطقة، وأصبحت قطر في عهده دولة قوية متماسكة شامخـــة البنيان، يشار إليها بالبنان، وأصـــبحت لها هويتها السياسية وحدودها الجغـــرافية وأهميتها الإقليمية... وتقديراً لهذا الإنجاز القطري الذي يصل إلى حدود الإعجاز، يحتّم علينا واجبنا الوطني، كأبناء لقطر ،ونحن ننــــعم بثمار غــــــرس ذلك القائد المؤسس، ونتفيأ ظــــلال بنــــائه الشامخ، أن نتـــــــذكر بإجلال وإكبار تضـــــحيات ذلك الرجــل العظيم وسيرته العطرة الحـــــافلة بالانتصارات الوطنية، لا سيما أن أحفاده الكرام من شيوخ آل ثاني ساروا على دربه، وحققوا ما كان يصـبو إليه من رقي وتقـــدم لهذا الوطـــن، حتى وصــلت دولـتنا إلى مصاف الدول المتقـــــدمة في جـميع المجالات، تحت قيادة رائد النهضة الشاملة حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظهما الله.. ولا جدال في أن الثامن عشر من ديسمبر سيظل بالنسبة إلينا كمواطنين قطريين أغلى أيامنا التاريخية والوطنية، حيث نتذكر فيه مسيرة التضحيات في مرحلة الكفاح المثمر، التي مرت بها دولتنا الغالية لتكوين هويتها السياسية، ونستعرض فيه كيف انتقلت رايتنا القطرية عبر مسيرتنا الوطنية المظفرة، من قائد إلى آخر، ومن حاكم إلى حكيم، حتى آلت القيادة إلى قائدنا حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، الذي رفع لواء المجد، حتى بلغت دولتنا قطر في عهده ذروة التطور في كافة المجالات، وأصبحت بلادنا في مصاف الدول المتطورة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً وتعليمياً.ومنذ أن تولى سموه قيادة مسيرتنا الوطنية، ملأ قلبه بالأمل، ومدّ يده الكريمة للعمل، ليكمل مسيرة البناء والنماء، كما فعل أسلافه من شيوخنا البررة... وإذا كان المغفور له الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني يعتبر مؤسس دولتنا السياسية، فإن حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، يعتبر صانع الشخصية العصرية القطرية والهوية الوطنية.فهنيئاً لنا بهذه القيادة الرشيدة، وهنيئاً لنا بيومنا الوطني.وما من شك، ونحن نحتفل اليوم بهذه المناسبة الغالية، في أنه يتوجب علينا أن نحمل «الوطن» في حدقات عيوننا، وأن نبذل قصارى الجهد، كلّ في مجاله، لتطوير «قطر» والارتقاء بها داخلياً وخارجياً.ففي الداخل ينبغي أن نكون يداً واحدة، خلف قائدنا الأمير وولي عهده الأمين ــ حفظهما الله ــ وحكومتنا الرشيدة، فهذه الوحدة الوطنية القطرية هي سرّ قوتنا، وهي مكمن عزّتنا.وفي الخارج ينبغي على كل واحد ينتمي لهذا الوطن أن يكون سفيراً متميزاً لبلادنا قطر في سلوكه وتصرفاته، حتى نكسب مزيداً من التقدير الذي نتمتع به بين شـــعوب العالم.وقبل أن أرسم السطر الأخير لابد من القول إن الوطن أرض، والأرض انتماء، والانتماء إخلاص، والإخلاص وفاء، والوفاء نكران للذات، وذلك قمة الوطنية التي نريدها في تعاملاتنا تحت سقف بيتنا القطري الشامخ، فهذا هو المطلوب منا أن نفعله في يومنا الوطني، ونحن نعيش عصرنا الزاهر.. عصر الازدهار بقيادة أميرنا حمد.ولم يبق سوى أن نطلب الرحمة والمغفرة لشيخنا المؤسس جاسم بن محمد بن ثاني ،الذي سيبقى علماً في ذاكرتنا الوطنية ــ رحمه الله ــ ودعواتنا المخلصة والصادقة له ــ طيب الله ثراه ــ أن يجزيه الله خير الجزاء ،نظير ما قدمه لوطنه قطر من تضحيات وبطولات، وأن يحفظ الله أميرنا وقائدنا وراعي نهضتنا، ويشد عضده بولي عهده الأمين، وأن يديم على شعبنا القطري الوفي نعمة الرخاء والنماء.عشت يا وطني قطر عزاً لنا، ومصدر فخر لشعبنا، فلا حياة لنا إلا بك، ولن تقوم لنا قائمة بدونك، فأنت منبع عزتنا، وفيك رفعة شأننا، ولهذا نفتديك دوماً بأرواحنا.[c1]*عن/جريدة ( الوطن ) القطرية[/c]