قصة قصيرة
القاص/ محمد عمر بحاح:البقاء لله.. وأنا إمرأة اعفاني الموت من فراش الزوجية... كمال زوجي جدد فراشه بمجرد موتي، وفوزيه، زوجته الجديدة قادرة على تدفئة فراشه كل ليله.. كمال كان (يخونني) وعلى استعداد لخيانة فوزيه... وكل رجل بوسعه أن يجدد فراشه إذا ماتت زوجته قبله وهو يفعل ذلك في حياتها ايضاً.والتعيسه منا من لا تموت قبل زوجها، فلا أحد يقبل الزواج من ارمله إلا إذا كانت ثريه أو جميله.. وأنا إمرأه ماتت قبل موت زوجها... فلم استحق منه إلا مساحة ضيقة في جوف الأرض... الواحدة منا لاترتاح إلا في مساحة كهذه... اهالوا التراب على القبر الذي يضم رفاتي.. تراب كبير.. كانوا يفعلون ذلك مسرورين أخشى ان يكون كمال قد حرضهم على ذلك... كنت المحه وهو يحث الرجال على العمل بهمه، اما هو فلم يشا أن يوسخ ثيابه ويديه بغبار تراب قبري.- البقية في حياتك...- البقاء لله!!!تبادلوا التعازي... مجرد كلمات تقال للمجاملة وينفض الجميع كان حزنهم ممزوجاً بغبار القبر فيبدو مثلما الماكياج على وجوه الممثلين، كلمات اخيرة مقتضبه جافة تخرج من بين شفاهم دون ارتعاشه، فيرددها كمال بحزن حاول ان يتقمصه... ولكن ذلك لم يكن يخفي علي... المح سريرته من داخل قبري الموحش، كمال كان يستعجل موتي لان فوزيه كانت تلوح له إمراة ثريه ومتفجرة بينما كنت حطام امرأةعلى الفراش... مرض السل الخبيت ينخر عظامي من الداخل...وصلتني أخبار علاقتهما وأنا مريضه، فاضاف ذلك عذاباً إلى آلام المرض اللعين, كمال كان يعرف بحكم خبرته كطبيب إنني لن اشفى لهذا نفض يده من علاجي واخذ يرقب موتي الذي أصبح حدوثه عنده مجرد وقت فقط... وفي الوقت نفسه أطلق لنفسه العنان... يقيم العلاقات من كل نوع مع الممرضات ومع المريضات في عيادته الخاصة أكثر مما كان يفعل عندما كنت لازلت بكامل صحتي، اما ترتيبات الزواج من فوزيه فيبدو انه رتبها قبل موتي، لهذا كان يستعجل اجراءات الدفن دائما ثم ليهرع اليها وياخذها بحضنه.. نفس الحضن الذي كان ياخذني به... والدي كنت أحس فيه بالراحة والهناء، والآن يحضن فوزيه بينما تحضني حفره في جوف الأرض ثم يقول لها سعيداً وهو يوشوشها بكلمات الحب "لقد انتهيت منها إلى الأبد".كانت حياتي الشيء الوحيد الذي يؤخر زواجهما.... اما وقد ازاحني الموت من طريقهما فلاشك ان كمال قد تبرم بطول اجراءات الدفن التي قام بها وربما وجدني لا استحق حتى هذا الواجب الاخير الذي قام به دون مشاعر حزن حقيقية، ربما كان يفضل ان يترك جثتي تتعفن... المرأة منا عندما يموت زوجها لا يكفيها حزنها وحدها ولكنها تتوقع حزن العالم... تلبس السواد من أجله أكثر من أربعة أشهر وترغم من حولها على ذلك، أما الرجال فليسوا مضطرين لكل هذا الحزن... ومن حق الرجل ان يجدد فراشه في أي وقت حتى قبل ان تموت زوجته.. في كل وقت يجد المجتمع المبرر للرجل، اما المرأة فلا أحد يقبل لها عذراً على الاطلاق..- البقية في حياتك....- البقاء للهلم يبق سوى عدد قليل من المعزين الذين بالغوا في اجراءات التعزية وجاءوا لتعزية كمال في البيت... لكنهم سرعان ما يمضون الآن وانا صاحبة هذا المأتم جثة هامدة قد فرغوا قبل قليل من اهالة التراب عليها... لم استحق سوى حفره في جوف الأرض تضغط على عظامي وضلوعي ومشاعري لاتهم احداً كمال الوحيد الذي كنت شريكة حياته لم يعد شيء مني الآن، فقد حملنا عظاماً وبقايا لحم إلى جوف قبر معتم أما أبي فقد خسرته منذ سنوات بسبب اصراري من الزواج من كمال كان يريدني لابن أخيه، لهذا حرمني من أبوته ولم يدخل بيتي يوماً حتى عندما كنت مريضة ولكني ابصرته يبكي عند قبري بعد ان أصبحت جثه هامدة لا حراك فيها.. واما أمي فقد ماتت ولم تكن سني قد تجاوزت الرابعة، ولهذا لا اذكر ولا احتفظ بذكريات عنها..فوزيه... هي التي تملا مشاعر الآن، موتي لم يكن سوى طريق الخلاص لهما، فوزيه ورثتني على الفراش الذي اخلاني عنه الموت اكره ان تكون أمرأة اخرى في فراشي ومع زوجي حتى ولو كنت في عداد الأموات، وفوزيه كرهتني حتى قبل ان تكون زوجة كمال هي تريده لها وحدها مثلما كنت لي وحدي ولكن كمال لم يكن يوماً من الأيام لي وحدي، كانت دائماً امرأة تشاركني اياه، كان مع كل النساء يمنح اللذه لكل من ترغب في تعاطيها معه، كان يفعل ذلك داخل سيارته وفي عيادته الخاصة وفوزية تشعر ان كمال لن يكون لها وحدها، تكذب كل امرأة إذا زعمت ان زوجها لها وحدها، الرجال يقيمون علاقات مع عشيقاتهم كل ليله في فرشان زوجاتهم والنساء غبيات يتصورون في كل لحظة انهم معهن وحدهن، كل رجل عندما يهمس في اذن زوجته (أحبك) في الواقع انه يعني امرأة سواها بمجرد ان يشبع رغبته تهمد انفاسه ويتراخى جسمه ولا يعود بعد ذلك قادراً حتى على ان يقول (لقد كنت رائعة) وانا كنت مريضه في سنوات عمري الأخيرة، كمال كان يخونني طوال حياتي حتى عندما كنت قويه كالبغله، دائماً كان يجد امرأة غبيه على استعداد لان تمنح الرجل ما يشتهيه منها... وكما تستوي عنده كل النساء.... وجاء بيته في الحديث كفيله بلى عنق أي امرأة يرغب فيها، نفس هذه الجاذبية القتني طبقاً في مائدته حتى إذا مل اكل الوجبة انتقل إلى الأصناف والأطباق الأخرى كثيرات حسدتني على كمال، دكتور متخرج حديثاً أفتتح عيادة خاصة واشترى سيارة وأثث شقة جميلة بعد زواجنا مباشرة.. انا نفسي كنت دائمة الحسد لنفسي، موظفة المؤهلات بسيطة... ضاربة على الآلة الكاتبة في شركة خاصة لم استطع اكمال دراستي فتوقف بي الطموح، لهذا كنت اعتبر زواجي من كمال ضربة حظ ساقها لي القدر حقيقة أن يرضح لي بالرغم من اعتزازه ولكني اكتشفت فيما بعد اني كنت فراشه غبيه لم تكتف بالتحليق حول دف النار بل أثرت ان احترق بها ولكن كان ذلك بعد فوات الآوان.- البقية في حياتك.- البقاء لله.انصرف اخر المعزين بعد ان صافحه كمال وكان يتعجل مغادرته استلقى على اقرب كرسي صادفه لم يلاحظ انه الكرسي المفضل الذي اعتدت الجلوس عليه امام جهاز التلفزيون، ارخى جسمه على الكرسي أشعل سيجارة، نفت الدخان في جميع الاتجاهات وهو يزفر مع كل نفس جديد ياخذه، لم يكن يعتقد ان واجب الدفن والعزاء سيستغرقان كل هذا الوقت.وارتسمت على وجهه ابتسامة مضيئة، فوزيه تحظر في باله الآن وانا لست إلا امرأة دفن كل ذكرى لها مع جثتي واجب ثقيل قام به وهو ينتظر مني ان اسكره لانه دفع ثمن المساحة الصغيرة التي ضمت جثماني في جوف الأرض.قام إلى التلفون، ادار قرصه على رقم فوزيه، جاء صوتها ناعماً من خلف السماعة... يالوقاحتها، لم تحاول ان تقول كلمة تعزيه للمجاملة، جسدي لايزال طرياً في القبر.. وهاهما يتفقان على الزواج بعد اسبوع واحد فقط اليوم فقط، اليوم انتهوا من دفني هل يكفي اسبوع واحد للحزن على انسانه مثلي، ام ان المرأة لا تستحق حزن زوجها عليها؟!لست غاضبة من فوزيه لو كنت مكانها ربما فعلت نفس الشيء ولكن كيف اغفر لكمال... كمال زوجي الوحيد الذي أعطيته نفسي ومشاعري؟ كيف يوافق على ان يتزوج بعد أسبوع واحد فقط من دفني هكذا فوراً دون لحظة لكي يسترد أنفاسه اللاهثة من إجراءات الدفن الشاقة.. وكأنه يخشى ان أغير رائيي واخرج من تلك الحفرة التي انزلوني إليها في الصباح، حيث هبط جسمي وخبي ملاصقاً للأرض؟ ويعود فيرتفع مستنداً على الدراع الدافئين كأنه تمرين ضغط، ولكن كمال وفوزيه كانا قد رتبا الأمر حتى قبل ذلك وليس بوسعهما إرجاؤه أياما أخرى، فقد كنت انا العقبة الوحيدة.- ألف مبروك..- الله يبارك فيكهكذا مضى الأسبوع... أسرع مما كنت أعد وأتوقع والله يبارك الزواج على الأرض مثلما يحق الموت... وكمال يتلقى التهاني بسعادة لا توصف... وفوزيه تقف بجانبه بطرحتها البيضاء وسنواتها الثلاثين أنثى طاغية ومتفجرة وتفرست في وجوه المهنئين نفس الوجوه التي جاءت قبل أسبوع للعزاء بموتي وابتسمت لسخرية الأقدار ابتسامة باهته متعفنة من شفتين مشققتين... ملايين الديدان تزحف فوقي وفي كل جسدي والبقاء لله... وانا امرأة أعفاني الموت من فراش الزوجية وزوجي غادرني إلى مضجع إمرأة أخرى وفوزيه الآن (وجبة دافئة) في فراش كمال وأنا في قبر موحش، التعيسة منا من لا تموت قبل زوجها فلا أحد يقبل الزواج من أرملة إلا إذا كانت ثرية أو جميلة... والواحدة منا لا تستحق إلا ان تضمها مساحة صغيرة في جوف الأرض بدلاً من ان تضمها ذراعا رجل يخونها في كل وقت .