كتبت : نادرة عبد القدوس [c1]توطئة :[/c]شهدت أواخر الأربعينات وبداية الخمسينيات حتى أواخرها نمو حركات التحرر الوطنية في مختلف البلدان المستعمرة( فتح الميم ) وخاصة حركة التحرر الوطني العربية التي زادت عنفاً ضد الوجود الاستعماري فأدت إلى انتزاع بعضها الاستقلال ، وفي نفس الوقت زاد العنف الاستعماري ضراوة في الوطن العربي فأدى إلى اغتصاب فلسطين من قبل عصابات يهودية كانت تُهرب سراً جماعات من كل أصقاع أوروبا الغربية والشرقية وأفريقيا وأمريكا وغيرها من البلدان تحت مظلة المملكة المتحدة وأمام أعين هيئة الأمم المتحدة وصمت وتواطؤ عدد من الزعماء العرب .. وقد وهبت بريطانيا فلسطين لليهود تعويضاً عن فقدانها لمصالحها في فلسطين وفي البلدان العربية وانتقاماً من الشعوب العربية التي طردتها من بلدانها بالكفاح المسلح ، وجعل إسرائيل القشة التي تقصم ظهر الأمة العربية والإسلامية ، والجسر الذي تمرر عبره مخططات ومؤامرات الامبريالية العالمية الهادف إلى كبح جماح العرب والمسلمين وقطع طريق تقدمهم .. إلا أن حركة التحرر الوطني العربية استطاعت أن تحقق الكثير من الانتصارات على قوى الطغيان ففي مصر اندلعت ثورة يوليو 1952م وفي عام 1956م انتصر الشعب المصري في معركة السويس على العدوان الامبريالي الثلاثي ( إنجلترا - فرنسا - إسرائيل) وفي العراق قامت الثورة عام 1958م وكان للثورة الجزائرية تأثيرها أيضاً على تعزيز مكانة حركة التحرر العربيةومع تغلغل الفكر التنويري في المنطقة في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات ظهرت الأحزاب والتنظيمات السياسية في جنوب اليمن ؛ وقد لعبت الدور البارز والمشرف في الساحة اليمنية بقيادتها نضال الجماهير اليمنية حتى تحقق الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م . [c1]البداية : [/c] في تلك الحقبة ظهرت الصحف في جنوب الوطن في الثلاثينيات ، وقد بدأت كنشرات رسمية وظفت لنشر أخبار السلطات البريطانية والتطبيل لها والتمسح بتلابيب الإمبراطورية البريطانية ، كما كانت تنشر أخبار بريطانيا في الحرب العالمية الثانية وانتصاراتها . وقد استمرت هذه النشرات بالصدور وتزايدت حتى الأربعينات حيث ظهرت بعد ذلك الصحف العربية وكانت أولاها صحيفة ( فتاة الجزيرة) التي سجل ميلادها في الأول من يناير 1940م بمدينة عدن صاحبها ورئيس تحريرها محمد علي لقمان - المحامي . وكانت أول صحيفة عربية بعدن بمفهوم المطبوعة الصحفية ، تلقفها القراء بشغف كبير يوم الأحد من كل أسبوع . وبفتاة الجزيرة فتح صاحبها المجال أمام عدد من أبناء عدن المثقفين لإصدار الصحف والمجلات الثقافية والاجتماعية والدينية والسياسية اليومية والأسبوعية والشهرية . الجدير ذكره أن النوادي الثقافية والأدبية التي تشكلت قبل ذلك وبالذات في عشرينيات القرن الماضي قد لعبت دوراً في إذكاء الروح الوطنية وبث الوعي بين صفوف الشباب العدني العربي كـ (نادي أبي الطيب المتنبي) والذي كان يسمى بـ (مخيم أبي الطيب) ونادي الشباب الثقافي ونادي الإصلاح العربي ونادي الأدب العربي وغير ذلك من النوادي والجمعيات الثقافية والأدبية والخيرية . ظهرت مجلة المستقبل لصاحبها عايض باسنيد وقد صدر العدد الأول منها في يناير 1949م ، وهي مجلة شهرية عرفت نفسها بأنها " مجلة الفكر والجهاد والشباب كما عرّفت نفسها كمجلة أدبية اجتماعية . وقد نادت بالتعليم والتخلص من براثن الجهل والتخلف وحضّت على النضال ضد الاستعمار . وفتحت المجلة صفحاتها للكتابة في مختلف القضايا الدينية والدنيوية كما كانت السباقة إلى فتح باب النقد لما ينشر فيها من قبل القراء والرد عليه عملاً بمبدأ احترام الرأي والرأي الآخر.. كما أفسحت مجالاً رحباً للدراسات والبحوث . [c1]صحف الأربعينيات :[/c] ومن الصحف التي برزت في عدن في تلك الفترة صحيفة صوت اليمن(23/10/1946م) لصاحبها محمد محمود الزبيري والفضول (25/12/1948م) لصاحبها عبد الله عبد الوهاب النعمان والذكرى (1948م) لصاحبها الشيخ محمد علي باحميش وأفكار (1948م) لصاحبها محمود لقمان الشباب وقد صدر العدد الأول منها في الأول من نوفمبر عام 1949م ، وكانت أسبوعية في ثمان صفحات وأحياناً في 18 صفحة بالحجم المتوسط وترأس تحريرها يوسف مهيوب سلطان . وقد حددت أهدافها ب(التكتل والاتحاد بين أبناء الضاد ، ومحاربة الرذائل والمظالم الاجتماعية ، ومجد الأمة وسعادة الوطن) . كما كان شعارها " الواجب فوق كل اعتبار" . كذلك نرى صحيفة النهضة والتي صدر أول أعدادها في 24/11/1949م وكانت أسبوعية ، صاحبها ورئيس تحريرها عبد الرحمن جرجرة ، وكان سبب إغلاقها من قبل السلطات البريطانية في نهاية عام 1955م نشرها موضوعاً لعبد الله باذيب تحت عنوان "المسيح الذي يتكلم الإنجليزية " وهو الذي أدى بصاحبه إلى الاعتقال والمحاكمة التي اشتهرت في عدن حيث خرج أبناء المدينة عن بكرة أبيهم ينادون بإطلاق سراحه وإلغاء المحاكمة الهزلية .. وبالفعل تمت الاستجابة للجماهير الغفيرة تخوفاً من الضغط الشعبي والمنحى الآخر الذي سلطات الاحتلال في غنى عنه .. إلا أن الصحيفة لم تصدر بعد ذلك .. في ثلاثينيات القرن المنصرم لم يكن بمقدور السلطات البريطانية منع إنشاء المدارس الأهلية ولا دور العرض السينمائي ولا الصحف والمجلات المحلية أو انتشار المطبوعات الصحفية العربية والأجنبية ولا خروج أبناء عدن - وهم قلة - إلى الخارج طلباً للعلم ، وذلك بغية التخفيف عن كاهلها مسؤولية إنشاء المدارس والاهتمام بأبناء المناطق اليمنية الأخرى من ناحية وإظهار أسلوب حكمها بالمظهر الديمقراطي وإفساح المجال للحريات الثقافية والتعليمية والسياسية من ناحية أخرى ، حيث سمحت بوجود بعض الأحزاب السياسية والوطنية والجمعيات الأهلية والخيرية المختلفة .. [c1]صحف الخمسينيات :[/c] شهدت فترة الخمسينيات تنامي دور الطبقة العاملة اليمنية وذلك بعد بناء مصافي الزيت البريطانية عام 1954م و تأسيس المؤتمر العمالي في عدن وذلك عام 1956م ككيان يضم مختلف النقابات العمالية ، التي وصل عددها إلى 25 نقابة ، بعد مسيرة نضالية طويلة خاضها العمال قبل ذلك التاريخ بعقود وسقوط العديد من الشهداء برصاص الإنجليز . وكان للحركة العمالية اليمنية صدى واسع في الداخل والخارج إذ عُرفت بأنها " أقوى تنظيم عمالي في شبه الجزيرة العربية والخليج " . وقد حققت الكثير من المطالب العمالية والمكاسب الهامة والعظيمة . وتمكن المؤتمر العمالي من إصدار نشرة تُعنى بالحركة العمالية باسم (العامل) . حظيت مدينة عدن بارتفاع عدد المطبوعات الصحفية في هذه الفترة من الزمن كما شهدت ارتفاعاً في عدد دور العرض السينمائي التي كانت تعرض في الغالب الأفلام الهندية والإنجليزية وكانت إذاعة عدن الوسيلة الإعلامية الأبرز في هذه المدينة الحضارية . وقد أسهم هذا التطور في تغيير الكثير من المفاهيم السياسية والاجتماعية وأنماط الحياة والسلوكيات وبروز مظاهر الرقي والتعامل الحضاري بين الناس . كما ارتفع عدد كبير من المتعلمين والمثقفين ، ولعل ابرز الأحداث في هذه المدينة الصغيرة هو ظهور الحركة النسائية اليمنية وبروز رموزها الواعية من الفتيات والنساء اللاتي معظمهن لم يتلقى تعليمه في المدارس . من الصحف والمجلات الأخرى التي صدرت في الخمسينيات : العروبة(1950م) وهي مجلة شهرية جامعة كما يعّرفها صاحبها عبد الرحيم سعيد بحجم متوسط في 36 صفحة . وكانت المجلة تنادي إلى توحيد صفوف أبناء الجزيرة ونشرت أعلام الدول العربية ألثمان ، آنذاك ، فوق اسم المجلة على غلافها الأول ، كما نادت بتوحيد أبناء الجنوب وهو نفس الشعار الذي رفعته رابطة أبناء الجنوب . وقد كانت المجلة تهاجم في بعض أعدادها كل من يرفع شعار " عدن للعدنيين " أو المطالبة بتأسيس الاتحاد الفيدرالي . وصدرت كذلك صحيفة الميزان الأسبوعية (1951م ) والبعث (1955م) واليقظة(1956م) وهي البديل للنهضة ،والزمان(1957م) والكفاح(1959م) والعدني(1951م) وأخبار الجنوب(1951م) والقلم العدني(1952م) وغيرها من الصحف التي تواترت على الصدور وكان لها رجع الصدى الإيجابي في المجتمع العدني والإمارات الجنوبية المختلفة التي توحدت بعد الاستقلال تحت راية جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية . كما صدرت صحيفة الأيام لصاحبها ورئيس تحريرها محمد علي باشراحيل وهي صحيفة يومية سياسية صدر العدد الأول منها في يوم السبت التاسع من شهر أغسطس عام 1958م . [c1]صحف الستينيات :[/c] في خضم التفاعلات السياسية والحراك الثقافي والنهوض التعليمي والاجتماعي في عدن ظهر التلفزيون كوسيلة إعلامية جديدة زادت من وثيرة النشاط الفكري في أوساط الجماهير اليمنية وذلك في حقبة الستينيات من القرن المنصرم (1964م) . ومن الصحف التي صدرت في تلك الحقبة : الكفاح ، والحق وفتاة شمسان(1960م) لصاحبتها ورئيسة التحرير السيدة ماهية نجيب وهي أول امرأة تمتلك صحيفة وتترأسها تُعنى بشئون المرأة والأسرة على مستوى الجزيرة والخليج ، والطريق ، والأخبار ، والعمال ، وصوت الجنوب لأحمد شريف الرفاعي ، والحقيقة ، و الأمل لعبد الله عبد الرزاق باذيب ، والمصير ، و أنغام ، و الصباح لسعيد علي الجريك وغير ذلك من الصحف التي لا يتسع لذكرها جملة .. إلا أن ما يجدر القول أن فترة الستينيات حملت الكثير من المفاجآت السياسية التي قلبت الموازين في المستعمرة عدن (فتح الميم) .. [c1]النهاية : [/c] وكانت للمتغيرات الجذرية التي حدثت في عدن في مختلف صعد الحياة تأثيراتها على الواقع وعلى حياة الناس فقد تنامى دور النضال السياسي مع تزايد وجود التنظيمات السياسية، رافق ذلك تبلور في وعي وفكر الصفوة من المجتمع العدني الذي شهد معارك مختلفة منها ضد الاحتلال واقتتال لم يكن مجدياً بين الأخوة ورفاق السلاح الذي تطور حتى نيل الاستقلال الوطني في نوفمبر 1967م ، واستمر بأشكال مختلفة وبطرق عديدة وفي فترات متفاوتة من السنين كان آخرها عام 1968م . ما نود ذكره هنا أنه بقدر ما سعدت اليمن باستقلال الجزء الجنوبي من الوطن إلا أننا اليوم نجد أن عدن كانت ربما تعيش أجمل أيامها وهي في أوج ازدهارها الثقافي والأدبي والسياسي والتعليمي والإعلامي ..الخ في عهد الاحتلال . فقد ضيع رفاق السلاح والمناضلون من أجل الحرية والديمقراطية بمنع الصحف الصادرة إبان الاحتلال وتوقيف أصحابها وترويعهم وتهديدهم بحجة انتمائهم إلى الطبقات البرجوازية والارستقراطية وغير ذلك من المصطلحات الفلسفية التي مشينا وراءها نحن جيل الستينيات والسبعينيات دون أن نفقه كنهها ولا ندري ما وراء الأكمة من كل ذلك .. وكانت النتيجة أن عاشت عدن فترة التصحر الثقافي والإعلامي والأدبي وعانى أبناؤها الكثير من الويلات لسنا بصددها الآن إلا أن التاريخ لا ينسى أحداثه وأهله..
|
ثقافة
ومضة من تاريخ الصحافة في عدن إبان الاحتلال البريطاني (الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم
أخبار متعلقة