جزيرة أكدامار (تركيا)/14 أكتوبر / رويترز : تحلق الطيور حول قبة كنيسة أرمينية التي تعود للقرن العاشر الميلادي في جزيرة ببحيرة فان التركية.وتتناثر مشاهد القبور المسيحية والصلبان في حديقة بالجزيرة حيث استظل من خرجوا للنزهة بأشجار اللوز وحرص آخرون على أخذ حمام شمس بعد السباحة.لكن صفاء المشهد يحمل وراءه ماضيا صادما لايزال يلقي بظلاله على تركيا وأرمينيا الى اليوم.فبالنسبة للارمن في جميع أنحاء العالم تمثل الكنيسة الواقعة شرق الاناضول شاهدا على قرون من الاضطهاد والترحيل والقتل الجماعي الذي قامت به القوات العثمانية.وتوجد خلافات كبيرة بين تركيا وأرمينيا حول تاريخهما المضطرب كما لا تزال الحدود بينهما مغلقة رغم اتفاقات سلام أبرمت بوساطة أمريكية العام الماضي.وأصبحت كنيسة الصليب المقدس متحفا وطنيا ورمزا لعملية المصالحة الشاقة حيث تستعد تركيا لافتتاح الموقع يوم 19 سبتمبر أيلول وستنظم قداسا ليوم واحد والذي قد يصبح حدثا سنويا.وقال ارام اتيشيان وهو كبير أساقفة وزعيم روحي للارمن في تركيا «هذه الكنيسة مهمة جدا للارمن ليس فقط في تركيا وانما في شتى أنحاء العالم. ظللنا لعقود لا نستطيع اقامة قداس فيها ولا شعائر دينية لان الحكومة كانت تمنع ذلك».وبقبتها مخروطية الشكل والجداريات التي تصور القديسين ورسومات المشاهد الانجيلية على جدرانها الخارجية حمراء اللون تعتبر الكنيسة واحدة من أجمل النماذج المعمارية لما تبقى من الحضارة الارمينية القديمة في تركيا والتي اختفت قبل قرن بسبب ما يعتبره الكثيرون ابادة جماعية.وتقع الكنيسة وسط بحيرة مالحة وجبال يغطي الجليد قممها طول العام ما يجعلها مقصدا طبيعيا للسياحة في هذه المنطقة الفقيرة.وكانت أعداد كبيرة من الارمن تعيش في مدينة فان وشرق الاناضول حتى طردتهم القوات العثمانية عام 1915 أثناء السقوط الفوضوي للامبراطورية العثمانية.وفي يوم من الايام كانت هناك ألفا كنيسة أرمينية في تركيا لكن لم يتبق منها الا 45 . ويقول مسؤولون في أرمينيا ان البقية دمرت أو نهبت أو تم تحويلها الى مساجد أو مدارس.وأعيد افتتاح كنيسة الصليب المقدس عام 2007 كمتحف في تركيا بعد أعمال ترميم بكلفة 1.5 مليون دولار قامت بها الحكومة التركية. ورفصت مطالب مسؤولين في الكنيسة بتعليق صليب فوقها.لكن منير كارال اوغلو حاكم اقليم فان التركي قال ان صليبا سيعلق فوق قبة الكنيسة قبل القداس وسيبقى.ويقول مسؤولون كنسيون ان الدولة التركية فرضت سيطرتها على الكنيسة التي بنيت في أكدامار بين 915 و921 م. ولانها مبنى عام فان التعبير عن المعتقدات الدينية غير مسموح به تماشيا مع الدستور التركي العلماني الصارم.وكثيرا ما تواجه أنقرة انتقادات في الغرب لتعاملها مع الاقليات المسيحية وروجت تركيا للقداس على أنه دليل على التزامها بالتسامح. ويقول منتقدون ان القداس الذي يستمر يوما واحدا هو مسعى في اطار العلاقات العامة ووسيلة لتحسين صورة تركيا الطامحة في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.وتعرضت جهود تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا لانتكاسة في ابريل نيسان عندما جمدت يريفان التصديق على اتفاق بعد شهور من الجمود بين الجانبين. وكان الاتفاق يقضي باقامة علاقات بين البلدين ويدعو الى اجراء «تحقيق حيادي وعلمي» في ما جرى عام 1915.وتقول أرمينيا التي يؤيد روايتها للاحداث الكثير من المؤرخين والبرلمانات في العالم ان نحو 1.5 مليون من الارمن قتلوا أثناء الثورات التي صاحبت الحرب العالمية الاولى وتصف ما حدث بأنه ابادة.وترفض أنقرة استخدام كلمة ابادة وتقول ان أعدادا كبيرة من الارمن المسيحيين والاتراك المسلمين قتلوا.وأعرب مسؤول في وزارة الخارجية التركية عن أمله في أن يحسن القداس في كنيسة الصليب المقدس الاجواء المحيطة بعملية السلام.وأضاف «سيكون من الجيد أن تساهم هذه الخطوة في عملية التطبيع بين تركيا وأرمينيا لكن يجب أن نكون واقعيين ... الحدود بين أرمينيا وتركيا مغلقة لاسباب سياسية».وأغلقت تركيا الحدود عام 1993 تضامنا مع أذربيجان حلفيتها المسلمة في حربها ضد أرمينيا على اقليم ناجورنو قرة باغ.وتقول انقرة ان احراز تقدم مع أرمينيا مستحيل حتى تسوي يريفان الصراع على الاقليم مع أذربيجان.ويقول مسؤولون في فان ان الفنادق كلها محجوزة وان المدينة تستعد لاستقبال الارمن «من جميع أنحاء العالم» على الرغم من أن الحدود القريبة مغلقة حتى أن القادمين من أرمينيا سيضطرون للقيادة لمدة 20 ساعة عبر جورجيا أو السفر جوا الى مدينة اسطنبول البعيدة ثم ركوب طائرة أخرى الى فان.ولم تعلق وزارة الخارجية الارمينية على القداس وقال مسؤولون في يريفان انهم لم يتلقوا دعوة لكن مسؤولين في الكنيسة الارمينية رأوا بوادر مبشرة على تغير في النظرة الى معتقداتهم.وقال فاهرام مليكيان وهو متحدث باسم الكنيسة الرئيسية في أرمينيا حيث يوجد مقر بطريرك الارمن «نحن سعداء لتغيير السلطات التركية نظرتها الى المسألة بشكل جزئي لكن قداس يوم 19 سبتمبر خطوة متأخرة وغير كافية».وكتبت عبارات مثل «احترم التاريخ .. احترم الثقافة» على لافتات داخل كنيسة الصليب المقدس في فان لكن الحساسيات لازالت قائمة.وبينما كان أطفال يجرون حول مبنى الكنيسة المهجور نظرت محجبتان الى الجداريات وقالت احداهما للاخرى «دعينا لا نبقى هنا كثيرا. فوجودنا هنا حرام».