د. سعد محمد سعد كلية الحقوق / جامعة عدنالقانون هو مجموعة القواعد القانونية المنظمة كافة جوانب حياة المجتمع والعلاقات القائمة بين أفراده وما ينشأ عنها من آثار على مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعلمية وغيرها. ولما كان المجتمع في حراك وتطور دائم بسبب تطور ظروفه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كون ذلك من سنن الحياة، فإن ذلك يقتضي بالضرورة تطوير القواعد القانونية وتغييرها أياً كان مصدرها حتى تتلاءم مع ماطرأ من تغيير في العلاقات التي ينظمها، أو ما استجد مع علاقات وظروف لم تكن موجودة وقت صدور هذه القواعد القانونية، وحتى لا تكون هذه القواعد بعيدة عن حياة المجتمع وظروفه، لأن من شأن ذلك البعد عن التنظيم حلول الفوضى وانعدام الأمن وضياع الحقوق.وماينطبق على القواعد القانونية بوجه عام ينطبق على القواعد القانونية الدستورية، التي يرتبط تطورها بالتطورات السياسية والاجتماعية وغيرها من الأحداث الحاصلة في المجتمع، ومهما قيل عن ضرورة ثبات القواعد الدستورية حتى يضفي على النظام السياسي الذي يقيمه طابع الاستقرار، إلا ان هذا الثبات برأي غالبية الفقه هو ثبات نسبي وليس مطلقا، كون الثبات المطلق سيصل بالحياة السياسية إلى درجة الجمود الكامل. لذا فإن تعديل الدستور وتطوير قواعده بما يواكب التطورات الجارية في المجتمع التي لم تكن موجودة وقت وضع تلك القواعد يعد ضرورة حتمية يقتضيها ما يطرأ على حركة المجتمع من تغيرات حتى تكون قواعده مواكبة ومتجاوبة مع هذه المتغيرات ومتفقة معها.إن تعديل القواعد الدستورية كونه ضرورة حتمية تستند في الواقع على مبررين أحدهما قانوني والأخر سياسي.فأما المبرر القانوني، فيتمثل في أن جمود الدستور يحرم الأمة صاحبة السيادة من ممارسة حقها في تعديل دستورها كلما اقتضت ظروف حياتها ذلك، وبهذه المثابة يكون في جمود الدستور مصادرة لإرادة الأجيال المستقبلية في تعديل دستورها بما يتفق مع ظروفها ويلبي طموحاتها.وأما المبرر السياسي، فيتمثل في أن الدستور يعد القاعدة الأساسية والعليا في البنيان القانوني للدولة لتضمنه القواعد الجوهرية والمبادئ الحاكمة للنظام السياسي طبقاً لظروف المجتمع حين اصدره، لذا فإن ما يطرأ على هذه الظروف من تغيير يستوجب بالضرورة أن يتجاوب الدستور مع معطيات هذا التغيير وضروراته، وإذا غض البصر عنها وتجاهلها فلم يلاحقها، كانت المحصلة الطبيعية هي انفصال القواعد الدستورية عن واقع المجتمع.وخلاصة القول إن السياسية والقانون تربطهما علاقة وثيقة، فالسياسة هي القوة الدافعة الداخلية للقانون وهي تؤثر تأثيراً حاسماً على تطوره.. والسياسية بدورها تتطلب تعبيراً قانونياً، ذلك لأن القانون يعد واحداً من أهم وسائل التعبير عن السياسة، فهو أداة لتنفيذ سياسة الدولة. وبمساعدة القانون تتمكن الدولة من إيجاد الصيغة الشرعية للمتطلبات السياسية وتنفيذها.وإذا حاولنا تطبيق ماقلناه في الأسطر السابقة من هذه المقدمة حول الضرورة الحتمية للتعديل في القواعد الدستورية ومبررات هذه الضرورة القانونية والسياسية، على موضوع دراستنا هذه، أي على مبادرة فخامة رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح بشأن التعديلات الدستورية المقترحة، فإننا سنجد أن هذه المبادرة لم تأت من فراغ، بل أملتها جملة من العوامل السياسية والاجتماعية خلال الثلاث السنوات المنصرمة، التي هي تجسيد حي للديمقراطية الحقة، المجسدة في التعددية الحزبية وحرية الرأي، وللمشاركة في ممارسة السلطة، وتقييم تأثير مشاركة المرأة في الحياة السياسية، ومحدودية حظها بالفوز بالمقاعد البرلمانية وأثر ذلك السلبي على تحقيق الديمقراطية كون المرأة نصف المجتمع وتمتلك من القدرات والإمكانيات التي لاتقل عن إمكانيات أخيها الرجل، مما يستوجب إزالة بعض المعوقات التي تحول دون تمكنها من التجسيد الفعلي لحقها كمرشحة وعضو في المجالس المنتخبة، إضافة إلى دراسة تجربة السلطة المحلية في الفترة المنصرمة وبيان أهمية اطلاعها بدور مهم ومؤثر في حياة ومعيشة المواطنين في المحافظات والمديريات، كما أن الاعتراف بالتعددية الحزبية الذي تعد ثمرة من ثمار الوحدة اليمنية المباركة، وما يستلزم هذا الاعتراف من التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ومباشرة ونزيهة، إضافة إلى الفهم الحقيقي للتعددية السياسية والمتمثل في كون المعارضة أحدى مكونات البناء السياسي والحزبي، وأن دورها ليس عرقلة مسيرة الوحدة وأنشطة وبرامج التطوير بل أن تكون العين التي ترقب وترصد بأمانة ووطنية وتنبه للأخطاء وتسهم في تقديم الحلول التي يمكن ان تساعد على سد الثغرات إن وجدت وتطوير ماهو قائم، فإدراك فخامة الرئيس علي عبدالله صالح لهذه الأمور جميعا، أنعكس جلياً على برنامجه الانتخابي الذي بموجبه حاز على ثقة الغالبية العظمى من الناخبين في الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2006م الذي تم البدء الفعلي بتنفيذ بعض الامور المهمة الواردة فيه، كذلك تعديل قانون السلطة القضائية بما بضمن الاستقلال التام للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، واصدار قانون مكافحة الفساد، وتشغيل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد،وتأتي المبادرة المقترحة بشأن التعديلات الدستورية في ذات الاتجاه الهادف إلى تنفيذ البرنامج الانتخابي الذي حاز بموجبه على ثقة الشعب بانتخابه رئيساً للجمهورية.والمطلع على نقاط المبادرة التي أطلقها فخامة رئيس الجمهورية في سبتمبر الماضي، يمكن له توزيع هذه النقاط على ثلاثة اتجاهات وهي:الأول: في نطاق نظام الحكم.الثاني: في نطاق النظام الانتخابي.الثالث: في نطاق الإدرة اللامركزية.[c1]موضوع الدراسة:[/c]وموضوع هذه الدراسة يتناول هذه الاتجاهات الثلاثة، بهدف بيان الجديد في كل اتجاه من هذه الاتجاهات بالمقارنة مع الوضع في الدستور الحالي، وكذا بالمقارنة مع الأطروحات السياسية التي تتبنى أفكارا مغايرة للتعديلات، إن وجدت والترجيح بينهما.[c1]تمهيد:[/c]تمس المقترحات المتعلقة بنظام الحكم جانبين، الأول الأخذ بالنظام الرئاسي بدلا من النظام المختلط، والثاني أن تكون السلطة التشريعية عبارة عن مجلسين- مجلس النواب ومجلس الشورى- وفيما يلي سنتناول هذين الوجهين لمقترح التعديل في نطاق نظام الحكم في مطلبين، يخصص الأول للنظام الرئاسي ويخصص الثاني لمجلسي السلطة التشريعية أو ما اصطلح على تسميته بالازدواج البرلماني.[c1]وتناول المطلب الأول النظام الرئاسي كبديل للنظام المختلط المقصود بالنظام الرئاسيتمهيد:[/c]تبنت المبادرة التي أطلقها فخامة رئيس الجمهورية فكرة نظام الحكم الرئاسي بديلا عن النظام المختلط الذي يجمع بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي، والواقع إن فكرة الانتقال إلى نظام الحكم الرئاسي تلقى معارضة من بعض من الأحزاب والتنظيمات السياسية على الساحة اليمنية، التي ترى وجوب الأخذ بنظام الحكم البرلماني. وهذا الأمر يوجب علينا حتى القيام بمقارنة بين النظامين حتى يتبين لنا أياً من النظامين أصلح لليمن، لذلك سوف نحدد المقصود بالنظام الرئاسي أولاً، وبعد ذلك سنعقد مقارنة بين النظامين وفقا للأسس التي يقوم عليها كل نظام ومدى بروز مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث بوضوح أكثر باعتباره المبدأ الأساسي الذي كل واحد الاتجاهين يستند في مطالبته بنظام الحكم الذي يراه عليه بالتالي يعد هذا المبدأ معيارا بموجبه يمكن الحكم علي أيا من النظامين له الأفضلية، وبالتالي الأولى بالإتباع.يقصد بنظام الحكم الرئاسي، ذلك النظام الذي يقوم على أساس مبدأ الفصل التام بين السلطات الثلاث، فكل سلطة تستقل عن السلطتين الأخريين، وتقف على قدم المساواة معهما، وتتولى مهام الوظيفة المنوطة بها دستوريا دون ان تتعداها أو تتجاوزها.[c1]المقارنة بين النظام الرئاسي وبين النظام البرلماني:[/c]الإجابة عن السؤال المطروح: لماذا أخذ مقترح التعديلات بالنظام الرئاسي ولم يأخذ بالنظام البرلماني؟ تقتضي أولا بيان المعيار الذي يؤخذ به عند اختيار نظام الحكم هذا أو ذاك، وبعد ذلك بيان الأسس التي يقوم عليها كل من نظامي الحكم، لمعرفة مدى توافر ذلك المعيار في أيهما. وهذا ما سيتم تناوله فيما يأتي تباعا:[c1]مبدأ الفصل بين السلطات كمعيار للمفاضلة:[/c] ومعلوم أن تحقيق الديمقراطية يقوم على توافر عدد من العوامل كالفصل بين السلطات والاقتراع العام والمشاركة الشعبية الواسعة في الرأي وتطبيق نظام الازدواج البرلماني (السلطة التشريعية المكونة من مجلسين).ويعد مبدأ الفصل بين السلطات الركيزة الأساسية للديمقراطية، فوصف نظام الحكم هذا أو ذاك بأنه ديمقراطي يرتبط بمدى التزام هذا النظام أولا بمبدأ الفصل بين الفصل بين السلطات. فالديمقراطية تدور وجودا أو عدما مع قيام هذا المبدأ، إذ هما متلازمان ولا انفصام بينهما.والمقصود بمبدأ الفصل بين السلطات: استقلال كل سلطة من السلطات الثلاث عن السلطتين الأخريين، وعدم تدخل أي منها أو ممارستها مهام تدخل في صلب اختصاصات سلطة أخرى، وعدم وصول الرقابة المتبادلة بين السلطات الثلاث إلى حد إهدار استقلالها أو النيل منه أو الافتئات عليه.فمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث بهذا المعنى ليس المقصود به الفصل المطلق، كون ذلك أمرا مستحيلا، وإنما الفصل التام المتسم بروح التضامن الذي لاتستبد فيه أي منها بالأخرى، لأن ذلك خطر على المجتمع.كما تناول الأسس التي يقوم عليها كل من النظامين الرئاسي والبرلماني:[c1]أولاً: في النظام البرلماني:[/c]الأسس التي يقوم عليها النظام البرلماني يمكن تلخيصها بالآتي:1- ثنائية السلطة التنفيذية: أي تتكون من رئيس الدولة وهو غير مسؤول سياسيا عن شؤون الحكم وليس له سلطة فعلية، ووزارة (حكومة) مسؤولة سياسيا وتباشر السلطة الفعلية.2- جواز الجمع بين عضوية البرلمان ومنصب الوزير أو رئيس الوزراء دون أن يفقد عضويته في البرلمان.3- يحق للوزراء دخول البرلمان حتى بدون دعوة خاصة وذلك لشرح سياسة الحكومة والدفاع عنها.4- تتولى الحكومة إعداد مشروع الميزانية العامة، ويتولى البرلمان من ناحية مناقشة الميزانية، ومن ناحية أخرى إقرارها أو رفضها.5- قيام السلطة التنفيذية بالدعوة لإجراء الانتخابات البرلمانية سواء عند إنتهاء مدة المجلس أم عقب حله من قبل رئيس الدولة. ويستتبع ذلك بالضرورة تولي السلطة التنفيذية كافة الإجراءات التمهيدية المتعلقة بالعملية الانتخابية ذاتها، كتحرير الجداول الانتخابية، ودعوة هيئة الناخبين... الخ.6- مشاركة السلطة التنفيذية السلطة التشريعية وظيفتها التشريعية الأساسية من خلال استئثارها في الغالب بإعداد مشروعات القوانين، إضافة إلى حق رئيس الدولة بالتصديق على القوانين التي يقرها البرلمان. وكذا حقه في الاعتراض، وكذا إصدار قرارات بقانون في حالة الضرورة.7- حق رئيس الدولة في حل البرلمان، وبالمقابل يكون للبرلمان في إجراء التحقيق مع الوزير أو الوزارة مجتمعة، وكذلك تحريك المسؤولية السياسية سواء فردية لوزير معين أم جماعية للوزارة كلها.8- تقوم السلطة التنفيذية بدعوة البرلمان للانعقاد في الأدوار العادية وغير العادية، كما لها صلاحية فض دور انعقاد البرلمان، وتأجيل الانعقاد.[c1]ثانياً: في النظام الرئاسي:[/c]الأسس التي يقوم عليها النظام الرئاسي والتي تتجلى فيها بوضوح مبدأ الفصل التام للسلطات الثلاث تتلخص في الآتي:1 - عدم جواز الجمع بين منصب الوزير وعضوية البرلمان، فالوزراء ليس من حقهم أن يكونوا أعضاء في الحكومة والبرلمان في نفس الوقت. فلو تصورنا أن رئيس الدولة اختار بعض وزرائه من أعضاء البرلمان، فعلى هؤلاء أم يقدموا استقالتهم من البرلمان فورا ويتم انتخاب من يحل محلهم.2 - لا يحق للوزراء دخول البرلمان لشرح سياسة رئيس الدولة أو الدفاع عنها أو حتى لمناقشتها من جانب البرلمان.3 - ليس من حق الحكومة إعداد مشروعات القوانين وطلب مناقشتها من البرلمان. بل حتى في شأن الميزانية العامة. ليس من حق السلطة التنفيذية إعداد مشروع الميزانية على الرغم من خبرتها في هذا الجانب، فالبرلمان هو الذي يعد الميزانية عن طريق لجانه الفنية ويقوم بمناقشتها وإقرارها، وكل ما يسمح به من جانب السلطة التنفيذية هو تقديم تقرير سنوي يبين الحالة المالية للدولة ومصروفات الحكومة في السنة المنقضية واحتياجاتها للسنة الجديدة.4 - لايكون لرئيس الدولة حل البرلمان ولا للبرلمان إقامة المسؤولية السياسية تجاهه.5 - لايكون للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان لاجتماعاته السنوية العادلة فقط يكون له الحق في توجيه الدعوة في الدورات الاستثنائية غير العادية.[c1]مايمكن استخلاصه من المقارنة وفقا للأسس لكل من النظامين: [/c]1 - أن التأثير الأكبر في الحياة السياسية في النظام البرلماني يكون للسلطة التنفيذية، كونها إلى جانب مهامها التنفيذية تقوم بمهام تشريعية أيضا، فسن التشريعان يكون من اختصاصها، وحتى وإن كان لأعضاء المجلس هذا الحق، إلا انه مقيد بعدد من القيود لا وجود لها بالنسبة لمشروعات القوانين المقدمة من الحكومة، ومن تلك القيود اشتراط تقديم مشروع القانون من قبل عدد معين من أعضاء المجلس، وأن يعرض أولا على لجنة خاصة في المجلس تقرر تقديمه للمناقشة في المجلس أم لا، وإذا رفض المشروع لا يجوز تقديمه مرة أخرى في نفس فترة الانعقاد التي قدم فيها.2 - تكون إدارة العملية الانتخابية من بدايتها حتى انعقاد أول اجتماع للبرلمان بيد السلطة التنفيذية. ليس هذا فحسب بل كما رأينا سابقا يكون للسلطة التنفيذية حق التدخل في الأمور المتعلقة بانعقاد المجلس كحق دعوته للانعقاد في الدور العادي وغير العادي وحق فض دور الانعقاد. بخلاف ذلك في النظام الرئاسي كما سبق وأن أشرنا.3 - إن خضوع البرلمان لسطوة وجبروت السلطة التنفيذية يكون في النظام البرلماني أكثر منه في النظام الرئاسي. كون ماتملكه السلطة التشريعية من حق في التحقيق والاستجواب أو حتى في إقامة المسؤولية السياسية للحكومة أو سحب الثقة، في الواقع لايساوي شيئاً أمام ما تملكه السلطة التنفيذية من حق في حل البرلمان ، لأسباب عدة منها: اشترط الدستور نصابا معينا لإقرار مبدأ مناقشة إقامة المسؤولية السياسية للحكومة أو أحد الوزراء أو سحب الثقة من الحكومة وثلث أعضاء المجلس، وهذا الأمر يصعب تحققه وبالذات إذا كانت الحكومة هي حكومة الأغلبية في البرلمان. وإذا افترضنا توافر النصاب أعلاه فيجوز مناقشة الموضوع قبل أسبوع، وأيضاً يطلب الموافقة على سحب الثقة بموافقة غالبية أعضاء المجلس ، وتحقيق هذا الشرط في ظل حكومة الاغلبية صعب تحقيقه ، أما في ظل حكومة ائتلاف فيمكن الالتفاف عليه وأن يجد البرلمان نفسه منحلا إذا استطاعت الحكومة إقناع رئيس الدولة باستخدام حقه في حل البرلمان. 4 - إن القول بأن رئيس الدولة في النظام البرلماني لايكون مسؤولاً مسؤولية سياسية أمام البرلمان عن شؤون الحكم، وعن الأخطاء التي ترتكبها حكومته حتى وإن كانت نتاجاً لتعليمات صادرة منه تجعل النظام البرلماني هو نظاماً مقبولاً لدى أي رئيس دولة، مادامت الأخطاء التي ترتكبها الحكومة الناتجة عن تعليمات صادرة منه لا يتأثر بنتائجها هو بل الحكومة، ومادام يملك الحق في إعفاء الحكومة وحق إجراء التعديل الوزاري عليها. ومن هذه المسائل التي اشرنا إليها والتي تؤكد عدم المساواة بين السلطتين وعدم توافر مبدأ الفصل بين السلطات بمعناه الحقيقي، وتدخل السلطة التنفيذية وهيمنتها على السلطة التشريعية، يكون التساؤل لماذا الإصرار الغريب للمعارضة على النظام البرلماني؟[c1]المطلب الثاني الازدواج البرلماني[/c]تمهيد : وفقاً للتعديل يتحول مجلس الشورى الحالي إلى مجلس آخر إلى جانب مجلس النواب ويشكل الاثنان معاً السلطة التشريعية، والسلطة التشريعية بجميع مظاهرها تنعقد للمجلسين، سواء أكان ذلك الحق في اقتراح القوانين أم حق مناقشتها لمشروعات القوانين وإقرارها بصورة مستقلة عن المجلس الآخر، وفي هذا الإطار يمكن أن يثار التساؤل حول جدوى وجود مجلس آخر إلى جانب مجلس النواب تكون له نفس الاختصاصات التشريعية.؟والواقع فإن الإجابة عن هذا السؤال تقضي بيان أهمية تكوين البرلمان من مجلسين ، وبعد ذلك أوجه الاختلاف بين المجلسين، وهذا ماسيتم تناوله فيا يأتي تباعا: [c1]مبررات الأخذ بنظام المجلسين: [/c]رفع كفاءة السلطة التشريعية كونه يوفر الفرصة في مشاركة عناصر ذات كفاءة وخبرة نظراً لاشتراط ذلك في المرشح لعضوية مجلس الشورى الأمر الذي سيؤدي إلى إثراء السلطة التشريعية ورفع مستوى أدائها. يساعد على تخفيف واحتواء الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية الذي يصل أحياناً إلى تهديد نظام الدولة في ظل نظام المجلس الواحد، ولكن إذا حصل هذا الاختلاف بين السلطة التنفيذية واحد مجلسي السلطة التشريعية في ظل نظام المجلسين فإن المجلس الآخر يمكن أن يقوم بمهمة التوفيق بينهما والعمل على عدم تفاقمه أو إنهائه. إصدار تشريعات تكون أكثر دقة وبعيدة عن الأخطاء لتدارك المجلس الآخر الأخطاء والهفوات فيما لووقع فيها المجلس الأول. منع استبداد السلطة التشريعية ذات المجلس الواحد وتعسفها في استعمال سلطتها في مواجهة السلطة التنفيذية.5- للسلطة التشريعية ذات المجلسين أهمية بالنسبة للديمقراطية يمكن إيجازها بالآتي : تعد السلطة التشريعية ذات المجلسين إحدى صور بناء الديمقراطية من خلال اتساع المشاركة الشعبية في ممارسة السلطة .يعطي هذا النظام الفرصة لتبادل الآراء الكثيرة بحرية مطلقة، ومن تبادل وتعدد الآراء تتمخض الديمقراطية. يحقق نظام المجلسين الكثرة في السلطة التشريعية أكثر من نظام المجلس الواحد، سواء في مجال تمثيل النواب عن الشعب في المجلسين أم في مجال مشاركة الناخبين في اختيار أعضاء المجلسين. يعد هذا النظام مدرسة لتعليم الديمقراطية وتعويد الشعب على العمل الديمقراطي.تأسيساً على ما سبق قوله من مبررات وأهمية لوجود نظام المجلسين للسلطة التشريعية نرى أن مرحلة التغيير والتحولات التي تعيشها اليمن اليوم في مختلف المجالات أدعى للإسراع بتطبيق نظام المجلسين أو الغرفتين البرلمانيتين. [c1]أوجه الاختلاف بين مجلسي البرلمان: [/c]إذا كان مجلس الشورى وفقاً لمقترح التعديلات الدستورية سيتحول من مجلس استشاري يتبع السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية) إلى مجلس تشريعي فما هو الفرق إذا بينه وبين مجلس النواب؟الإجابة عن هذا السؤال سنوضحها بالجدول الآتي : [c1]التعديلات المقترحة في نطاق النظام الانتخابي [/c]تمهيد: تقسيم: تضمنت مبادرة التعديلات جانبين مهمين في النظام الانتخابي الأول يهدف ضمان استقلالية وحيادية اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء من خلال اقتراح أن يكون جميع أعضائها من القضاة وهو ما يعرف بالإشراف القضائي على الانتخابات، والثاني يتعلق بالمشاركة السياسة للمرأة التي يعتبر الحق في الترشيح والانتخاب أحد أبرز صورها وذلك من خلال اقتراح نسبة تمثل 15% في البرلمان بضمان تمثيل المرأة في البرلمان، وتتناول الدراسة هذين الجانبين في مطلبين يخصص الأول للإشراف القضائي ويخصص الثاني لضمان تمثيل المرأة في البرلمان.[c1]الإشراف القضائي على الانتخابات [/c]تمهيد: الواقع العملي أثبت منذ التجربة الديمقراطية الأولى للانتخابات أن مسالة الإشراف على الانتخابات من خلال اللجنة العليا للانتخابات حتى وإن روعي في تشكيل التمثيل الحزبي لأكبر الأحزاب السياسية في الساحة اليمنية، إلا أن ذلك لم يجنب اللجنة من الاعتراضات وإعاقة عملها واتهامها أحياناً بالانحياز وعدم الاستقلالية. وكثرت الأصوات المنادية بحيادية هذه اللجنة واستقلاليتها ، إلا أنه للأسف فإن المقترحات التي بطرحها أصحاب تلك الأصوات لم تقدم حلولاً عملية وجذرية لاستقلال هذه اللجنة المنوط بها إدارة العملية الانتخابية، فكانت مقترحاتهم لاتخرج عن إطار التمثيل الحزبي في هذه اللجنة أو التمثيل الحزبي للأحزاب أكثر فاعلية في العمل السياسي حسب زعمهم، ومن هنا فإن تلك المقترحات لم تقدم جديداً.بخلاف مقترح فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي بالفعل يعد مقترحاً عملياً وواقعياً في جعل هذه اللجنة مستقلة تماماً. [c1]أهمية المقترح بتشكيل اللجنة العليا من القضاة: [/c]تعود أهمية جعل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء من القضاة إلى الأسباب الآتية: أن تشكيلها يأتي بالدرجة الأولى من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى والذي يعد مستقلاً سياسياً، لعدم انتمائه لأي حزب أو تنظيم سياسي بحكم القانون الذي لايجيز لأعضاء السلطة القضائية الانتماء إلى أي حزب أو تنظيم سياسي. أن حق الترشيح المنوط برئيس مجلس القضاء يقتضي أن يكون المرشحون من قبله من القضاة المشهود لهم بالنزاهة والاستقامة. أن تشكيل اللجنة من القضاة معناه الاستقلال، التام لهذه اللجنة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وكذا عن كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية، ومن ثم هذا الاستقلال التام يعد ضمانة كبيرة وجدية لحيادية اللجنة العليا للانتخابات ، الأمر الذي يقضي على الأقاويل والأطروحات التي تشكك في نزاهة الانتخابات وصحة نتائجها. [c1]ضمان تمثيل المرأة في البرلمان[/c]تمهيد: يعد الدستور اليمني من الدساتير العربية التي لاتقيم أي نوع من التفرقة أو التمييز بين الرجل والمرأة من حيث التمتع بالحقوق وتحمل الواجبات، فالنساء شقائق الرجال لهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما للرجال (المادة 31 من الدستور) فالمواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة (المادة من دستور) ولكل منهم الحق في الإسهام في كافة ميادين الحياة السياسية والثقافة (المادة 42 من دستور)، فالحق في الانتخاب والترشيح كما للرجل مكفول أيضاً للمرأة (المادة 43)وقد جسدت هذه النصوص الدستورية عملياً في القوانين المنظمة للانتخابات، كقانون تنظيم الانتخابات العامة والاستفتاء وقانون الحكم المحلي. فالحق في الانتخاب والترشيح يعد من ركائز المشاركة السياسية التي تعد عملية اجتماعية سياسية طوعية أو رسمية تتضمن سلوكاً منطقياً، مشروعاً، ومتواصلاً، يعبر عن اتجاه عقلاني رشيد ينم عن الالتزام العميق بحقوق المواطن وواجباته والفهم الواعي لأبعاد العمل الشعبي وفعاليته.فالمشاركة السياسية بهذا المفهوم يجب أن تكون مشروعة أي منظمة بقواعد قانونية وأن لاتتعارض مع أحكام القوانين المنظمة لها. في هذا الجانب إذا كان الإطار القانوني للمشاركة السياسية للمرأة متوفراً إلا أن التجسيد الفعلي للضمانات القانونية لمشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مؤشراته ضعيفة للغاية لعدد من العوامل. وبهدف القضاء على مايعوق المرأة من التجسيد الحي لحقها كمرشحة وتحقيق طموحها في الوصول للبرلمان الذي تعوقه عوامل عديدة لايمكن كسرها إلا بتدخل تشريعي بإجراء تعديل دستوري ، فقد جاءت مبادرة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح تنفيذاً لوعده في برنامجه الانتخابي بإعطاء المرأة نسبة من مقاعد البرلمان، وهو مايعرف بنظام الكوتا ، فماذا يقصد بالكوتا؟ وماهي مبررات الأخذ بها؟ وهل تعد تجسيداً للتميز بين والرجل ؟ كما يقول البعض والذي بسبب تمسكهم بذلك القول حرمت منه المرأة في بعض الدول العربية، هذا ما ستحاول هذه الدراسة الإجابة عنه في هذا المطلب.[c1]المقصود بالكوتا :[/c]هي نسبة معينة من عدد المقاعد في المجالس المنتخبة برلمانية كانت أم محلية تمنحها الدولة للمرأة بموجب النص على ذلك في الدستور وتنظيم تفصيلاته في القوانين ذات العلاقة. فنظام النسبة أو الكوتا تعد وسيلة من الوسائل التي تساعد بها الدول المرأة على المشاركة في الحياة السياسية، ذلك لما تحمل هذه المشاركة من أهمية تحقيق التنمية الشاملة، بعد أن أضحت مؤشرات مشاركتها السياسية محددة للغاية على الرغم من توفر الإمكانيات لديها. [c1]مبررات الأخذ بنظام النسبة (الكوتا): [/c]هناك عدد من عوامل التي تعيق مشاركة المرأة في الحياة السياسية واحتلالها مقاعد تتناسب على الأقل مع نسبتها من عدد السكان، وهذه العوامل جعلت اللجوء إلى نظام النسبة مبرراً، وهذه العوامل يمكن إيجازها بالآتي: تلعب الأفكار والمعتقدات الاجتماعية والأخلاقية دوراً كبيراً في محدودية المشاركة السياسية للمرأة ومحدودية حظها في الفوز بالمقاعد في المجالس المنتخبة. عدم اهتمام الغالبية العظمي من الأحزاب والتنظيمات السياسية بالمرأة إلا أثناء الدورات الانتخابية وهذا الاهتمام بها لا لتكون مرشحة تدعم لتفوز ويكون لها وجود فعلي في البرلمان أو المجالس المحلية في المحافظات والمديريات، بل لضمان صوتها كناخبة. [c1]قناعة النساء بكفاية الرجال بالمشاركة السياسية. [/c]عدم الثقة من النساء أنفسهن، وعدم مساندة الناخبات للمرشحة من النساء.وهذا الواقع ليس خاصاً باليمن وحدها، بل هو واقع عام في كافة الأقطار العربية، وحتى في المجتمعات الأكثر تقدماً كفرنسا وبريطانيا والمانيا ، التي أثبتت الدراسات فيه لبحث هذه الظاهرة وإيجاد المعالجات لها، أن لا مجال لمنع التمييز ضد المرأة وحرمانها من أن تكون مرشحة، وضمان وصولها إلى البرلمان إلا بإتباع نظام النسبة (الكوتا) الذي بموجبه سيكون للمرأة تمثيل أكبر بما لايقل عن النسبة المحددة. [c1]آلية تنفيذ نظام النسبة: [/c]ومما لاشك فيه أن هذا المقترح يعد خطوة جريئة وشجاعة وتستحق التقدير، ولكن يتطلب تطبيقها في الواقع العملي إيجاد آلية تراعي فيها جملة من المسائل التشريعية والعملية والسياسية، ومن ذلك: أولاً : أن تعيد الأحزاب السياسية ترتيب برامجها ومواقفها من المرأة، وأن تعمل في أوساط المرأة وإقناعها بسياساتها ، وأن يتم البدء في داخل الحزب وذلك في المراتب الحزبية.وثانياً: يقتضي الأمر التفكير بضوابط قانونية صارمة لمنع أي تسويق أو عدم الاكتراث من قبل الأحزاب بهذه النسبة، كان يشترط مثلاً أن تكون هذه متوفرة في مرشحي كل حزب في جميع الدوائر، بحيث يكون عدد المرشحات من النساء لكل حزب في جميع الدوائر الانتخابية لايقل عن 15% أو أن يتم حرمان الحزب الذي لم يلتزم بهذه النسبة من الدعم الذي يتحصل عليه من الدولة. وثالثاً : ينبغي التفكير الأمثل بنظام الدوائر المغلقة التي لايسمح بالتنافس فيها إلا للمرأة، والأسس التي بموجبها تحدد هذه الدوائر المغلقة في كل محافظات الجمهورية لضمان تمثيل المرأة لجميع النساء في كافة المحافظات.رابعاً : العمل الجاد من قبل منظمات المجتمع المدني لاسيما التي تدخل قضايا المرأة وحقوقها من ضمن أجندة أنشطتها في القيام بدور فعال في تأهيل المرأة وإعدادها الإعداد الذي يمكنها من الاستفادة من نظام النسبة. [c1]التعديلات في شكل إدارة الدولة[/c]تمهيد: تضمنت مبادرة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح جملة من الأمور والتي بمقتضاها تقوم إدارة الدولة على أساس اللامركزية الإدارية، وتوسيع صلاحيات المجالس المحلية المنتخبة وتوسيع مشاركة الشعب في الحكم من خلال انتخاب المحافظين والمديرين العامين للمديريات، وسيتم تناول هذه الاتجاهات في المطالب الآتية: [c1]الحكم المحلي[/c]الحكم المحلي هو أحد ثمار اللامركزية بمفهوم واسع الصلاحيات يقوم على الأسس الآتية: تولي المجالس المحلية في المحافظات والمديريات كافة شؤونها الإدارية والمالية يكون تحصيل الضرائب وعوائد الموارد والأنشطة والخدمات المحلية اختصاص المجالس المحلية، تستخدمها في تنفيذ المشاريع وتسيير الأعمال في الإطار المحلي وفقاً للقانون واتجاهات الخطط العامة.
|
دراسات
الاتجاهات العامة لمبادرة الرئيس بشأن التعديلات الدستورية
أخبار متعلقة