أمل زاهدالمتأمل في علاقات الرجال بالنساء في مجتمعنا ، ستمتلكه الدهشة ويصل إلى حافة الذهول.. كونهاعلاقات ليست سوية في قوامها وجوهرها وتقوم على مبدأ التسلط والامتلاك ولا تقوم على المشاركة والصداقة والانسجام والتناغم والحوار والتفاهم، وتتأرجح بين كفتي التطرف فالرجل أو المرأة إما ظالم أو مظلوم.. مستبد قاس أوخانع مستكين راض بوضعه ومتكيف مع قدره.. متعايش مع سوء حظه. أحد القراء الكرام بعث لي قائلا: أن النساء في حالات كثيرة يظلمن الرجال ، خاصة إذا تعامل الرجل معها برقي وذوق وندية فتستغل المرأة ذلك أسوأ استغلال وتمارس عليه سلطة مستبدة وأنانية جائرة ، فتضعه في قائمة ممتلكاتها وتتعنت في تصرفاتها معه وتحاسبه على أدق التفاصيل وكأنه صار عبدا مملوكا لها لا يحق له أن يشتم أنفاس الحياة دون أمرها ولا يحق له الخروج من مملكتها!! أحد الأقرباء حدثني أيضا قائلا أن خطيبته كانت تقابل حسن تعامله معها ولطفه وتهذيبه بنفور وسوء خلق وعنجهية وتكبر ، وأنها لم تبدأ في الاعتدال معه وتحسين أسلوبها في معاملته إلا عندما كشر لها عن أنيابه واستشرس وأخرج لها الأسد الشرقي الكامن داخله!! واستطرد قائلا رغم تعليمها العالي فهي لا تزال تحمل في أعماقها تلك الأنثى المهيضة الجناح التي تفضل أن يتعامل معها رجلها بتسلط وعنجهية واستعلاء !! فهل تنتقص شريحة كبيرة من النساء العربيات حقا من قدر الرجل الذي يعاملها بندية ولطف ورقي؟! وهل تعودت أن تحب جلادها وأن تتوله في حب من يسيء إليها أو على الأقل من يتعامل معها بفوقية واستعلاء؟! وهل يرتبط اللين والرفق في المعاملة في تصورها بالضعف والانكسار الذي لا يتفق مع صورة الرجولة في مخيلتها ؟ وهل في هذا دليل دامغ على أن المرأة العربية تعاني من مشكلة نفسية جذرت لها الثقافة السائدة ولم تتمكن من التخلص من شباكها الملتفة عليها بإحكام وشدة تجعلها تربط مفهوم الرجولة بالقوة الغاشمة والتسلط والعنف؟ وهل نحتاج إلى أن نرسم صورة جديدة للرجولة ونحاول تمريرها وتكريرها على وعي المرأة حتى تستقر فيه لتدرك أن الرجولة الحقة تعني باقة من الشمائل الفاضلة والخصال الحميدة كالتهذيب والذوق والشهامة ودماثة الخلق والتعامل الراقي مع المرأة، وأن الاحترام لا بد أن يرتبط بهذه الخصال في ذهن المرأة وليس بصور العنترية والظلم الملتصقة في وعيها عن الرجولة ولكن هل المشكلة تقتصر فقط على نظرة المرأة للرجل أم تتعمق لتضرب بجذورها في بنية العلاقات الإجتماعية برمتها؟! لتجعل من الاستبداد والتسلط رمزا مهيبا نطل عليه باحترام وتبجيل، فتنحصر العلاقات عندنا في هذا المفهوم فمن امتلك زمام القوة الغاشمة حاز بالتالي نظرة الاحترام والتبجيل والتقدير. ومن امتلك زمام القوة الغاشمة أيضا استطاع أن يخضع الطرف الآخر في أية علاقة وتمكن من الهيمنة والسيطرة عليه ، وبالتالي لا مكان في بنيتنا الاجتماعية لعلاقات قوامها الندية والمساواة والحوار والتفاهم . وإن كانت هذه الظاهرة تظهر بصورة أكثر وضوحا في العلاقة الزوجية ، لأنها من أعقد العلاقات الاجتماعية إن لم تكن أعقدها على الاطلاق !! فحميمة هذه العلاقة وتواجد كل من الطرفين في محيط الآخر لوقت طويل لا بد أن يولد احتكاكا تتناهشه قوى الشد والجذب ، فينجذب أحد الطرفين والمؤهل لممارسة التسلط والاستبداد إلى اخضاع الطرف الآخر وشكمه وتطويعه. فضلا على إنكارنا لأهمية بناء المؤسسة الزوجية على الحب _ تلك الكلمة المحاطة في ثقافتنا بالأسلاك الشائكة والتي تصيبنا بالرهاب _ فالحب دون شك يشكل الدعامة الأهم في بناء هذه الحياة ، ويشحن الطرفين بالقدرة على التضحية والسعي إلى إسعاد الطرف الآخر والتخلي عن الأنانية في علاقة تتسم بالتعقيد والحساسية الشديدتين.دون شك مجتعنا يعج وبصورة أكبر بالصور المقابلة للصورة المذكورة في بداية المقال، صور توضح كيف يستغل الرجل ضعف المرأة وخنوعها، فيمارس أبشع أنواع الظلم والتسلط عليها فيجعل نفسه بؤرة تتحرك المرأة حولها، فيرفض أن تتحرك خارج مداراته أو تبحث عن ذاتها خارج الأطر التي وضعها هو لها ، ناهيك بالطبع عن القسوة والعنف والاستبداد الذي يصل إلى الايذاء الجسدي أحيانا والعنف المعنوي تارة أخرى.. ذلك العنف المؤذي الذي يصم نفسية من يمارس عليه بجراح قد تكون أعمق من الجراح الجسدية وأكثر التصاقا وأصعب اندمالا وشفاءا. حتى بات العنف الأسري من أكثر القضايا الملحة والمهددة لمؤسسة الأسرة والمزلزلة لجدران الأمن فيها ، فهاهو اعلامنا يخلع عنه برقع التستر والتعتيم الذي اعتاد ارتداءه كي يخفي تلك الحالات، لتبدو لنا هذه الحالات سافرة واضحة.. بشعة وقاسية تنفي صفة اليوتوبية عن مجتعنا، وتؤكد أننا نعاني من العنف الأسري كما تعاني منه مجتمعات أخرى. كما نعاني أيضا من مشكلات اجتماعية وأخلاقية كالتحرش الجنسي وزنا المحارم واستغلال براءة الأطفال وعلاقات بين النساء والرجال تتم خلف الستائر المغلقة .وهذا الانفتاح في كشف هذه الظواهر أمر يحمد عليه الإعلام كوننا أتخمنا بالصمت وامتلأنا حتى الثمالة بالتعتيم وادعاء أن المدينة الفاضلة تتمثل في مجتعنا السعودي البريء من كل دنس والنقي من أية عاهة اخلاقية لأن انكار المشكلات لن يكون أبدا الوسيلة الناجحة للتخلص منها !! يظل الإنسان في كل المجتمعات كائناً مثيراً للدهشة والشفقة معا، لأن تكوينه يحفل بالمتناقضات والرغبات المتضادة التي تتواجد جنبا إلى جنب في كيان واحد وتجعل تحقيق احدها لا بد أن يكون على حساب الأخرى وهذا دون شك يزيد من تعقيد علاقة الرجل بالمرأة!! فكيف يستطيع الإنسان أن يوفق بين ذلك التوق إلى الانعتاق والحنين إلى الحرية من جانب والرغبة في الاستقرار والاحساس بالأمان من جانب آخر؟! وكيف يستطيع أن يوائم بين إحساسه الجارف بالذاتية والفردية واحتياجاته العاطفية التي تجعله يتوحد مع شخص آخر ويخضع لتقلباته النفسية والمزاجية؟! كيف يستطيع أن يوفق بين الاحساس بالملل المرافق للاستقرار وبين رغبته الكاسحة في رؤية حيوات جديدة وخوض تجارب لم يسبق له أن خبرها.. معادلات صعبة يظل الانسان أبدا عاجزا عن حلها!!
|
ثقافة
رجال ونساء وعلاقات غير سوية...!!
أخبار متعلقة