إعداد/ أمل حزامالكاتب الروسي فيدور ميخائلوفيتش دوستويفسكي ولد عام 1821 و مات عام 1881. أحد أفضل ألكتاب العالميين والذي أحتل أعلى المراكز الثقافية و الأدبية و النفسية.تكلم ديستويفسكي مع ملايين من البشر في كتاباته وعبر عن أعماق النفس و عن الظلم ومعاناة البشر وعن مآس كثيرة تركت بصمة واضحة في كل رواياته ليحول واقع المأساة الإنسانية إلى قصة تشرح معاناة الشعب الروسي في تلك الفترة. ينتمي هذا الكاتب إلى أسرة نبيلة كان أبوه يعمل طبيباً في مستشفى خاص للفقراء.ولان الكاتب لمس هموم الفقراء عن قرب منذِ الصغر فقد كتبت أنامله الدقيقة ما يعجز الوصف عن بؤس الفقراء وحاجاتهم للعناية و المال والإشفاق عليهم.فكانت هذه هي مرحلة الطفولة التي عاشها الكاتب و تشبع فيها فكره بكل هذه ألمآسي إلى أن بلغ السابعة عشر من عمره فألتحق بكلية الهندسة الحربية ببطرسبرج حاليا تسمى سانت بيتربورج والتي كانت عاصمة روسيا القيصرية في ذلك الوقت.بدء الكاتب أولى كتاباته في سنة 1846 حيث شهدت ظهور أولى روايات له (ألمساكين) والتي نجحت نجاحا ًعظيماً ولفتت الأنظار نحو هذا الأديب الشاب. بعد ذلك تبناه الناقد بيلينيسكي في ذلك الوقت وكان هو أحد كبار نقاد عصره بمراحل بعيدة المدى بحيث أصبحت هذه بداية عظيمة لولادة كاتب عملاق كانت حياته ملئيه بعدم الاستقرار و التحولات و التي كانت تحدث في حياته و عدد كبير من المعاناة الإنسانية.إذ مع بدايات شهرته كأديب أنضم في تلك اللحظة إلى إحدى الجمعيات السرية و حضر معهم اجتماعاتهم و فجاءه في أحدى الليالي الباردة تم القبض على هذه الجمعية و حكم عليهم بألاعدام. وهكذا بدأت مأساة هذا الكاتب الشاب الحقيقية وأتخذ قرارا بحكم الإعدام بحقهم, ونصبت منصة الإعدام وسيق المتهمون إلى ساحة الإعدام لتنفيذ الحكم و بينهم كان ذاك الكاتب العملاق دوستويفسكي فتر سخت هذه اللحظات في ذهنه ونفسه وتركت بصمة كبيرة في كل رواياته و كتاباته اللاحقة.وما كانت تنسى من ذاكرة الشاب لتبقى خالدة في الأدب لأجيال و أجيال.و هكذا وقف الكاتب بين زملائه ينتظر دوره مع الموت فمرت هذه اللحظات وهو يرى زملائه يموتون واحداً تلو ألأخرى, وفي لحظة أبتسم له القدر حين ظهر فارس قادم من بعيد ليوقف عملية التنفيذ ويخبرهم أن القيصر قد تفضل بالعفو عنهم وخفف الحكم إلى عشرات سنوات من الإشغال الشاقة قي سيبيريا المتجمدة.عرف الكاتب أن حكم الإعدام كان أخف رحمة من نفيه إلى سيبيريا الرهيبة لقضاء سنوات العقوبة. لعبت تلك المنطقة دورها السلبي في معاناته النفسية وهو يعيش بين عتاة المجرمين في مدينة أومسك والنصف الثاني كجندي في إحدى فرق ألعمل. فخرج دوستويفسكي من هذا الجحيم بشيئين: إشفاقه العميق على المجرمين الذين عاش بينهم والذين جعلوه يعتقد حتى أيامه الأخيرة أن بذرة الخير لا تزال كامنة في أعماقهم – وعنهم كتب رواية (بيت الموتى ) أولى رواية كتبها بعد عشرة سنوات في المنفى حيث أشتد به مرض الصرع والذي سيظل ملازماً له إلى آخر أيام عمره و يقضي عليه.عاد الكاتب من منفاه ليجد أن الناس قد نسوا مؤلف (المساكين) و أن كل زملائه الكتاب والأدباء قد سبقوه بخطوات كبيرة بينما كان هو يرزح تحث الثلوج لعشر سنوات. فكان عليه أن يعوض ما فاته من عمل يعيده إلى قراءه.فكتب بسرعة تفوق البرق في روايته (مذلون و مهانون) الرواية التي أعادته بقوة إلى الأذهان ولخصت فلسفته الدائمة في الحنو والإشفاق على البشر المعذبين والبؤساء الذين يضطهدهم ويذلهم ويهينهم الأقوياء والجبابرة الذين يظنون أنهم سادة الحياة.هكذا توالت كتابات دوستويفسكي و التي بلغت خمسة عشر كتاباً إضافة إلى بعض المقالات و الدراسات, وهذه هي كل ما صنعت شهرته و عبقريته الفذة. بدء الكاتب نشاطه الأدبي في عام 1870 نشر أولى خماسيته الفلسفية النفسية الاجتماعية في رواياته (الجريمة والعقاب) تم (الأبله) 1869 تم (الشياطين) عام 1872 و (المراهق) عام 1875 و أخيرا الرواية الجبارة (الإخوة كارامازوف ) عام 1880. وكل تلك الروايات الخمس كانت وما زالت تكفي لتصنع كاتبها بين مصاف عظام الكتاب. فقد كان دوستويفسكي أدبياً عالمياً عبقرياً عرفه العالم كله و ترجمت أعماله لجميع اللغات.وفي هذه الفترة التي بدء فيها ينشر أولى تلك الروايات (الجريمة و العقاب) مسلسل في أحد المجلات و هو يرشف أول قطرات شهرته العالمية ومجده دخل القدر ليلعب لعبته الأخيرة مع هذا الكاتب العملاق.وهكذا حتى وهو في بداية الطريق كان القدر يهاجمه بضراوة فوقع دوستويفسكي مع أحد الناشرين عقداً مهماً لنشر كل رواياته القادمة.ولكن الناشر الماكر وضع شرطاً خبيثا يلزم الكاتب بتسليمه كل رواية كاملة في موعد محدد, وإلا أصبح من حق الناشر نشر كل ما يكتبه دون أن يعطيه روبلاً واحد (قرشاً واحد ) وبسبب الضغوط المالية والتي كانت يعانيها هذا الكاتب العملاق وافق على هذا العقد ليتجاوز أزمته المالية, و لكنه فيما بعد أكتشف مدى صعوبة تحقيق هذا الشرط.فكان يكتب في الصباح رواية الجريمة والعقاب وفي المساء يكتب الرواية الأخرى (المقامر) فرأى أصدقائه المقربين مشكلته وأردوا المساعدة فعرض عليه أصدقائه أن يكتب كل منهم جزء ويجمعونه لتصبح لديه رواية ولكنه رفض أن يضع اسمه على شيء لم يكتبه بقلمه, فقرر الاستعانة بكاتبة اختزال تساعده في كتابة الرواية فظهرت في حياته فتاة تدعى آنا وكان يملئ عليها روايته طوال اليوم ثم تقوم هي في الصباح بتنسيق ما أملاه عليها.هكذا أصبحت آنا تلازمه طوال الوقت إلى أن أصبحت زوجته و أنجبت منه أبن أسماه ألكيسي والذي ما لبث أن مات صغير السن, مأساة تلوها الأخرى عاشها الكاتب العملاق بموت ابنه ليكون نفسه ألكيس بطل رواية (ألأخوة كارامازوف ). واستمر دوستويفسكي في كتابة روايته الرائعة (المقامر) في ثمانية و عشرين يوم فقط, وهي المهلة التي تركها له الناشر, وهكذا جاء اليوم وانتهت فيها المهلة فقام الصباح يركض حاملا ملازمه المكتملة ليسلمها إلى أقرب مركز شرطة ويحصل على إقرار بأنهم تسلموا هذه الملازم في هذا التاريخ.وهكذا تجاوز دوستويفسكي هذه الأزمة وهي إحدى أزمات حياته الكثيرة وبالرغم من كل هذه الأزمات كان دوستويفسكي شديد الإيمان بالله ولكن غالباً كان لسان أبطال روايته غير راضي عن المعاناة التي يلقاها البشر في حياتهم و يرى أنهم لا يستحقون كل البؤس والشقاء والألم كما أهتم بعلم النفس اهتماما شديداً, ليس لأنه علم نفس بل لأنها نافذة يمكن من خلالها أن يطل على أعماق تلك المخلوقات التي أحبها وأشفق عليها كثيراً فكان يؤمن أنه من الممكن لهم أن ينبعثوا من جديد و يعيدوا تطهير أرواحهم دائماً. وهو من قام بإدخال منطقة العقل الباطن إلى الأدب النفسي فحين تقرأ روايته تذهلك قدرته الفذة على الغوص في أعمق أعماق شخصياته وتصوير أدق خلجاته والعلاقات المعقدة المضطربة المتناقضة بينهم حيث إنه يتتبع بطله منذ استيقاظه من نومه إلى أن يعود فينام مرة أخرى, شارحاً بالتفصيل كل الانفعالات والأفكار والخواطر التي تعترك وتتصارع في نفسه والعجيب أنك إذا قرأت إحدى رواياته دون أن تعلم أنها تتحدث في القرن التاسع عشر لظننت أنها تحدث ألان أو يمكن أن تحدث ألان و أنها تتحدث عن شخصيات تعرفها تعالج قضايا شغلت فكر الإنسان المعاصر و ستشعر برغبة شديدة في العودة إلى هذه القصص و إعادة قراءتها مرات ومرات رغم ضخامة حجمها.و في أواخر أيام حياته وبعد أن انتهى من كتابة و نشر رائعته الأخيرة (الإخوة كارامازوف). كتب الكاتب رسالته الأخيرة وهو يقول فيها:- ها هي الرواية قد انتهت أخيراً, عملت فيها ثلاث سنوات ونشرتها في سنتين فيالها من لحظة مشهودة بالنسبة لي. وبحلول عيد الميلاد أريد أن أصدرها في طبعة مستقلة مضيفاً أن الإقبال عليها شديد هنا لدى باعة الكتب في روسيا وقد بدءوا في إرسال النقود إلي بالفعل.هكذا مات هذا الكاتب العملاق تاركاً أجمل و أروع روايات عرفها العالم ومازال يقرأ له و إلى ألان ملايين البشر مترجمة إلى عدة لغات.
|
ثقافة
الروائي الروسي ديستويفسكي
أخبار متعلقة