أضواء
(1)ما ستشهده المملكة العربية السعودية في الأيام القليلة القادمة، من جلسات المحاكمة الشرعية الكبرى للإرهاب والإرهابيين، ظاهرة يجب أن لا تمرَّ مرَّ الكرام، إلا إذا كانت أعيننا مفتوحة 180 درجة فقط، على جرائم الإرهاب الدموية التي لطخت سمعة العرب وسمعة الإسلام، كما لم يجرِ في أي عصر من العصور، والآن نغمضها عما يجري في الرياض من محاكمة الدفعة الأولى من الإرهابيين وعددهم 991 إرهابياً. وهؤلاء يقسمون إلى فئات ثلاث : الإرهابيون القتلةُ، والإرهابيون المحرِّضون على القتل، والإرهابيون المثبِّتون (الممسمرون) للقتلة. وهؤلاء يقومون بتثبيت عزيمة كل من ينوي القيام بعملية انتحارية، فيقومون بتثبيته على المهمة الانتحارية الإرهابية، قبل تنفيذها بمدة قصيرة، ويشدون من أزره، ويرفعون من معنوياته، ويدعون له بالتوفيق والنصر، ويعدونه بالجنة، وبالحور العين، حتى لا يتراجع عن القيام بمهمته.(2)ومن هنا، أصبح للإرهاب هذا المفهوم السعودي الجديد. وهذا المفهوم، يقول بكل بساطة ووضوح شديدين، إن الإرهابي ليس فقط من يقوم بعملية إرهابية انتحارية، ويقتل عدداً من الضحايا الأبرياء، ولكن الإرهابي أيضاً هو من يقوم بتحريض القاتل على القتل، ويزين له القتل، ويستعمل الدين ونصوصه المقدسة، استعمالاً ظلامياً خادعاً وسيئاً. وهؤلاء المُحرِّضون هم أشد خطورة من المنفذين القتلة أنفسهم. لأن هؤلاء هم ماكينة تفريخ وتوليد القتلة الإرهابيين. وهم الذين يصطادون الطلبة المهذبين، والمتدينين تديناً بريئاً ونقياً، ويحرفونهم من طريق الرحمن إلى طريق الشيطان. وهؤلاء ومعهم المثبِّتون هم أكثر خطراً على الأمن، والسلام الاجتماعي، والاستقرار، من الإرهابيين أنفسهم. وتكمن خطورتهم في أنهم آلة الإنتاج للإرهاب اليومي. وهؤلاء ومعهم المثبِّتون، هم على شاكلة وخطورة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. فهذان القياديان لتنظيم “القاعدة”، لا يقومان بعمليات القتل بأيديهما، ولكنهما صانعان شيطانيان للإرهابيين من أمثال الزرقاوي وغيره. فهم المُحرِّضون على الإرهاب، كذلك الأمر مع المُحرِّضين السعوديين الذين مارسوا الإرهاب، وزيّنوه في قلوب شبيبة، بريئة، ونقية، من خلال فتاوى ضعيفة وفاسدة، من أمثال علي الخضير، وناصر بن حمد الفهد، وأحمد بن حمود الخالدي (وهؤلاء سبق أن ثابوا إلى رشدهم، وتراجعوا عن فتاوى أصدروها، تشجع على الإرهاب)، وفارس آل شويل الزهراني، وابن سهاج، وفهد الجوير، وغيرهم.إذن، فالسعودية جاءت بمفهوم جديد للإرهاب. فقالت لنا السعودية إن هناك ثلاثة أنواع من الإرهاب:الإرهاب القاتل، والإرهاب المُحرِّض، والإرهاب المثبِّت.وكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة أشد خطورة من الاثنين الباقين.(3)إن هؤلاء الإرهابيين الذين ستجري محاكمتهم في الرياض في أكبر محكمة شرعية تاريخية للإرهاب، من حيث عدد الإرهابيين الذين سيحاكمون، متهمون بالانتماء إلى تنظيم “القاعدة” الإرهابي، وقد نفّذ قسم منهم ما يزيد على 30 عملية إرهابية في السعودية. وهم متهمون كذلك بالتفجير، والاغتيال، والخطف، والترويع. كما أن المذكورين أعلاه متهمون بالتهيئة الدينية لهؤلاء الإرهابيين، كما أنهم متهمون بتدريب، وتجهيز، وتمويل، وتحريض، وإصدار الفتاوى الدينية، التي تبرر كل هذه الجرائم السابقة. ومسؤولية هؤلاء جميعاً عن تفجيرات شرق الرياض الثلاثة، ومجمع المحيا، ومبنى الإدارة العامة للمرور، ومقر وزارة الداخلية، ومقر قوات الطوارئ الخاصة، ومصفاة بقيق، واغتيالات الخبر التي استهدفت المواطنين والمقيمين ورجال الأمن والوطن في اقتصاده ومقدراته وقوت أبنائه. ومن المعلوم أن قوات الأمن السعودية أحبطت ما يزيد عن 160 عملية إرهابية، وذهب ضحايا تلك العمليات 74 شهيداً من رجال الأمن، وأصيب 657 منهم، إضافة إلى سقوط 90 قتيلاً من المدنيين الأبرياء وجرح 439، وذلك على امتداد 5 سنوات من العمليات الإرهابية التي ضربت المملكة، بدءاً من 12/ 5/ 2003. وقد ذكر هذه الحقائق، الكاتب والباحث القطري عبد الحميد الأنصاري في مقاله بصحيفة “الجريدة” الكويتية وصحيفة”الوطن” القطرية (3/11/2008). واستغرب الأنصاري، بل إنه استهجن، من الكتاب والصحفيين والإعلام العربي عدم الالتفات إلى محاكمة العصر الشرعية الكبرى، وإلى هذا العدد الكبير من الإرهابيين، الذين سيحاكمون محاكمة شرعية؛ أي أن يدانوا بالحق الذي قلبوه باطلاً، وبالتسامح الذي قلبوه تعصباً، وبالرحمة التي قلبوها من نعمة إلى نقمة.(4)إن قيام محكمة شرعية سعودية، لمحاكمة عدد من الإرهابيين القتلة والمُحرِّضين والمثبِّتين لهم، من بعض رجال الدين السعوديين السابق ذكرهم (وهي الدفعة الأولى من هؤلاء جميعاً) له دلالات ومؤشرات، إضافة لما ذكره عبد الحميد الأنصاري في مقاله السابق الذكر. ومن هذه الدلالات والمؤشرات:1 - أن السعودية المتهمة من قبل بعض أعدائها من العرب والعجم، بأنها تدعم الإرهاب، وتموّل الإرهاب، وتصدِّر فكر التعصب والتشدد، هي الدولة نفسها التي تقوم الآن بإقامة أكبر محكمة لمحاكمة أكبر عدد (991 الدفعة الأولى) من الإرهابيين بأنواعهم الثلاثة: الإرهابيين القتلة، والإرهابيين المُحرِّضين، والإرهابيين المُثبِّتين.2 - لم تدفن السعودية رأسها بالرمال، وتدّعي وتنكر أن لا إرهابيين لديها من السعوديين. بل هي بكل جرأة وصراحة، أعلنت عن وجود المئات من “الفئات الضالة” الإرهابية. وقدمت الآن الدفعة الأولى من هؤلاء للمحاكمة. وأنا على يقين، بأن هناك في كل بلد عربي، ودون استثناء، إرهابيين بالمئات من الشباب والدعاة، ومن أصناف الإرهابيين الثلاثة: الإرهابيين القتلة، والإرهابيين المُحرِّضين، والإرهابيين المُثبِّتين. ولكنها خلايا نائمة، تنتظر ساعة الصفر، وتنتظر الفرصة المناسبة لكي تتفاعل وتنهض. ولكن السلطات العربية تخفي كل ذلك، لأسباب كثيرة، لا مجال لشرحها هنا. 3 - إن المقبوض عليهم بتهمة ممارسة الإرهاب، والذين سيحاكمون من الدفعة الأولى ليسوا من السعوديين فقط. وإنما هم من جنسيات عربية وإسلامية مختلفة. إذن، فالسعودية لا تحاكم في هذه المحكمة الكبرى الإرهاب السعودي فقط، ولكنها تحاكم الإرهاب العربي وغير العربي. ومن هنا، فإن السعودية أصبحت الخط الأول، ورأس الحربة، في محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط، وهذا ما سوف يُحمِّلها التزامات سياسية، ومادية، ودينية، وأدبية كثيرة.4 - إن المحكمة التي ستقام لمحاكمة هؤلاء الإرهابيين محكمة شرعية. أي سيكون الاحتكام فيها إلى الشرع، وهو الفيصل في هذه المحاكمة. وسيكون القضاة من رجال الدين. فكما غرر بهؤلاء الشباب بعض رجال الدين المغرضين من المحرِّضين والمثبِّتين، فسيكون فريق آخر من رجال الدين، من المحققين، وهم القضاة. فلا يقولن أحد غداً، إن الغرب هو الذي حاكم هؤلاء. وإن قضاة “جوانتانامو”، وسجن أبو غريب، وقضاة المحكمة الأمريكية العليا (سوبريم كورت)، هم الذين حاكموا هؤلاء الضالين. كما لن يكون هناك في هذه المحاكمة أي قاضٍ مدني. فكما تدينوا تدانوا. 5 - وأخيراً، فإن هذه الفئات الضالة، لم تكن تدافع عن مبادئ سامية كالحرية والديموقراطية والمساواة والحداثة. ولم تتبنَ قضية سياسية كقضية فلسطين. وإنما كانت أهدافها أهدافاً خيالية أسطورية، منها تحطيم الحضارة الغربية، والقضاء على الإمبراطورية الأمريكية، ورفع العلم الإسلامي فوق قصر بكنجهام في لندن، ومقاومة الحداثة الأوروبية، والتشدد الاجتماعي، وامتداح الإرهابيين (العتاولة) في تورا بورا، والدعاء لأسامة بن لادن وأنصاره بالنصر والظفر، واعتبار كل من مات منتحراً وناحراً شهيداً، له الجنة، والحور العين.[c1]* عن /جريدة (الوطن ) السعودية [/c]