ظهرت في الآونة الأخيرة مطالبات من بعض المساجد ممن يسمون أنفسهم “ بالسلف” يتزعمها أئمتها وخطباؤها ، ويعلنون عنها في خطبة الجمعة ، وفي فترة مابين صلاتي المغرب والعشاء أثناء إلقاء محاضراتهم شبة اليومية وبصوت عالٍ عبر “ ميكروفونات” المساجد الخارجية التي تصم الآذان كما عودونا ، يطالبون فيها بإنشاء وتشكيل لجان خاصة بهم لإقامة ما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،لأن الفساد تم والبلاء طمّ والفسق عمّ ـ على حد زعمهم ـ .بل يؤمنون بأن لهم الحق وحدهم فيها .. وهم كما يقولون ويعلنون في خطبهم ، يؤمنون إيماناً عميقاً بان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس إلا اعتراض الناس في الشارع وضرب كل رجل يمشي مع امرأة مباشرة دون سؤاله عمن تكون هذه المرأة سواء أمه أم أخته أو أبنته أو زوجته أو ..أو.. المهم (واحد وواحدة) فهذه الأفعال من المحرمات.كذلك يؤمنون أن المرأة عندما تكون لوحدها في الطريق عليها ألا تظهر وجهها وألا تتحدث بالجوال وألا تضحك وألا..وألا..وعليها سيكون نفس العقاب والضرب .هكذا يعلنون وأبشع منه جهاراً نهاراً والجهة المسؤولة عن شئون المساجد تراقب عن بعد وتعلم ولا تحرك ساكناً.يقول العالم الجليل “ ابن خلدون” في مقدمته: «إن الحسبة وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين..يبحث عن المنكرات ويعزر ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة : مثل المنع من المضايقة في الطرقات ، والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها ، وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة ، والنظر والحكم فيما يصل إلى علمه ، ويرفع إليه .وليس له إمضاء الحكم في الدعاوى مطلقاً، بل فيما يتعلق بالغش والتدليس في المعايش وغيرها، وفي المكاييل والموازين..»أليس ما ذكره “ابن خلدون “ موجود في النظام العام في الدولة ؟ إن ما ذكره “ ابن خلدون “ إنما هو موجود في مهام المجلس المحلي للمحافظة والمديرية ممثلاً بالجهة التنفيذية للمحافظة وهي بلدية المدينة، وكذا جهاز الأمن، وأيضاً بعض الجهات الأخرى كالرقابة على الجودة والمنتجات الصناعية والسمكية والزراعية وغيرها من المرافق الإدارية. إذاً ًماذا يريد هؤلاء (المتأسلمون)؟ إنهم لايفهمون عن الحسبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا خدش أعراض الناس فقطّ أو الاعتداء على حقوقهم الشخصية، وسلب حرياتهم، والنيل من كراماتهم بتوقيفهم في الطرقات العامة والاعتداء عليهم بالضرب دون حسيب أو رقيب، وكأنهم مفوضون من رب العالمين يتكلمون باسمه كيفما وأينما شاؤوا.ظاهرة خطيرة بدأت تخرج إلى السطح وسلطة الدولة مازالت غير مكترثة لم تنبس ببنت شفة لتداركها.لم أتصور يوماً أني ساكون أحد أشخاص واقعة حدثت في طريق عام، تحديداً في ساحة العروض بخورمكسر، مساء السبت الماضي بعد أذان العشاء مباشرة. هذه الواقعة قد يعتبرها البعض مجرد حادثة شجار بسيطة بين أفراد، أو اعتداء بالأيدي على بعض طلبة كلية الحقوق (التعليم الموازي).. ثلاث طالبات وطالبين، وكنت أنا مرافقاً لهم (أبلغ من العمر خمسين عاماً) من قبل جحافل معتدين من مدعي القوامة على الناس. لم تكن مجرد حادثة عابرة وانتهت، رغم ماناله الطالبان من لطم في الوجوه ودفع واهانات وشتم وقدح وكل نعوت تخطر على البال، وكنت واحداً ممن نالهم ذلك. هذا ماحدث، والسبب أننا نمشي جنباً إلى جنب مع الطالبات وهذا من (أنكر المنكرات) ـ برأيهم ـ حتى وإن كان بغرض توصيلهن إلى محطة وقوف المركبات العامة للنقل. وبعد أن نلنا مانلناه، دون سؤال أو سبب، وبعد تجمهر المارة وقدوم العديدين من المحلات التجارية المقابلة للساحة والمقاهي والمطاعم وتفهمهم الأمر، انفض الاشتباك وكل ذهب إلى سبيله وقد أشار بعضهم ممن فض الاشتباك وبدت علامات الرحمة في وجهه علينا بالذهاب إلى مركز الشرطة وتقديم بلاغ بذلك، ولكن آثرت حمل غيظي وألمي، واقنعت أبنائي الطلبة كذلك، بالذهاب إلى منازلنا، لأن الواقعة ليست بهذه البساطة التي يتصورها المرء. فهي ليست أعمالاً صبيانية أو حادثة مفاجئة يمكن أن تنتهي ببلاغ في قسم شرطة، بل إنها أعمق من ذلك وأكبر بكثير إنها مسألة تنظيم شرطة دينية غير شرعية تتشكل خلاياها( الطالبانية) في تلك المساجد والتجمعات غير المشروعة.إنها أيديولوجية ومعتقد فقهي خاطئ تخلصت وتتخلص منه كثير من الدول، ويبدأ ظهوره عندنا في مجتمعنا المدني والحضاري.إن القضية هي قضية رأي عام تمس كل مواطن يحلم بالتطور والتقدم، إنه نداء أوجهه إلى الجهات المسؤولة في السلطة نداءُ إلى محافظ المحافظة، والمجلس المحلي، والأجهزة الأمنية والقضائية عليكم تدارك الموضوع قبل استفحاله.. إنها ظاهرة خطيرة لا يجب السكوت عنها، بل يجب القضاء عليها في مهدها عبر تفعيل القوانين الرادعة واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية حقوق وحريات المواطنين في الطرقات والمتنزهات والمحلات التجارية وغيرها.. فأولئك يتكالبون كما تتداعى علينا الأكلة إلى قصعتها، فهم يتكالبون لكثرتهم دون وازع من ضمير. عليكم يا ولي الأمر عدم التهاون مع هكذا موضوع، واجتثاث الورم السرطاني، وإلا لن تستقر الأمور أويستتب الأمن في المدينة، أي مدينة كانت في أي محافظة يمنية.. إن الموضوع عام قبل أن يكون خاصاً لأنه وبكل بساطة ستؤول نتيجة ذلك إلى طريقين لا ثالث لهما: إما أنه سيشتد عود أولئك الكهنة وتابعيهم، فتصبح لهم سلطة خاصة، وجهاز خاص بهم، وربما مستقبلاً دولة داخل دولة يعيثون فساداً وتنكيلاً بعباد الله باسم الدين، والدين بريء منهم، وإما أنه ستظهر فرق أخرى مناوئة لهم من الغيورين على أعراضهم وأصدقائهم وزملائهم لا يتحملون تلك الإهانات والعبث، أمام صمتكم وتجاهلكم للظاهرة الخطيرة.. وبذلك لن نجد في المدينة وأطرافها إلا عصابات تتناحر مع بعضها البعض في غياب القانون والنظام العام، ما ينذر بوضع خطير يصبح من الصعب السيطرة عليه أو محاصرته.. عندها لن تقاوم السلطة فريقاً بل فريقين.[c1]* ماجستير علوم افتصادية المستوى الرابع / التعليم الموازي/ كلية الحقوق- جامعة عدن[/c]
أخبار متعلقة