من نتاجات الواعدين
في منتصف اليوم، والشمس في كبد السماء، كنا أنا وصديقي مارين في أحد الشوارع، الحر شديد جداً في ذلك اليوم، العرق ييكاد يُلجمنا، تأخذنا الفكرة معاً بأن نخرج لنستنشق هواء طبيعياً نقياً، ومنظراً جميلاً ..(ساحل البحر).نحمل أغراضنا ونرحل، نتوقف في المكان الذي أردناه وفكرنا فيه، جلسنا ووجدنا أصدقاء لنا هنالك قاعدين.. هاربين من الضوضاء راغبين في استنشاق الهواء .. كما أردنا نحن .. في أيديهم بعض الكتب يقرأون .. نقعد بجانبهم، لحظات مرت ونحن نتحدث، بعدها في هدف زيارتنا (البحث عن هواء طبيعي) .. أخذت كتاباً لأقرأ وبدون إذن ترسل الأمواج قطراتها الدافئة جراء ارتطامها بالصخر الموجود أمامنا .. فمرة تقع على رأسي ومرة في الكتاب الذي أقرؤه، فما كان مني إلا أن أضع الكتاب جانباً بكل ما أوتيت من قوة، يفعل زملائي كما فعلت، ونترك القراءة .. نعود للاستمتاع بالمنظر الجميل .. الأمواج وحركتها .. واصطدامها .. وأصواتها التي تأتي دون سابق إذن أو استئذان إلى مسامعنا.صورة فنية بديعة التصوير جاد بها المنظر .. ونظام حركة االأمواج وتراقصها وهي تعزف سيمفونية عذبة اللحن .. متناسقة الحركات .. باهية المنظر .. مكتسية بالزبد الأبيض الذي تحمله وتتناثر وتتفرق به وبما تحمله بين تلك الصخور الجاثمة على الشريط الداخلي.مر الوقت سريعاً ولم ننته من الاستمتاع برحلتنا، وهواجسنا وأفكارنا من هذا المنظر.. حتى بدأت شمس النهار تبشر بالرحيل وانتهاء وقت رحلتها اليومية، فترسل أشعتها الحمراء الدافئة، فترسم هي الأخرى صورة وشكلاً جمالياً وخياياً رائعاً .. أصدقائي لم يحتملوا البقاء لدنو الليل علينا، فحملوا أغراضهم ورحلوا .. وبقيت وحدي مستمتعاً ومراقباً جمالاً آخر، وصورة أروع .. وصوتاً أعذب يأتي .. لحظات .. الرياح تزداد سرعة ، الأمواج أيضاًً تزداد سرعة وتقدماً نحوي، ضوء القمر الساقط والمنكسر على سطح البحر يتراقص مع الأمواج وحركتها .. السفن الواقفة والسائرة بعيداً قليلاً هي الأخرى ينعكس نورها فيه - أي في البحر - فيرتسم بذلك لون جمالي وصورة أكثر روعة .. فراودني سؤال في نفسي : متى تنتهي هذه الحركة وهذا الصوت وهذا المنظر؟ وقررت ألا أرحل قبل أن يرحل الموج أو يقف .. ليتركني أرحل من أمامه .. الليل دنا بظله وسواده أنظر البحر فلا الأمواج أوقفت حركتها ، ولا الزبد الأبيض انتهى وتلاشى بين الصخور .. ولا الأصوات توقفت عن العزف الجميل .. فسرعان ما تخليت عن قراري ورحلت وتركت البحر وأمواجه وأصواته تكمل اللوحة والجمال الرباني الأخاذ.* علي محمود علي صحافة / م ثالث