تقع دولة الكويت في الطرف الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة العربية- يحدها شرقا الخليج العربي- وشمالا العراق- ومن الجهتين الغربية والجنوبية المملكة العربية السعودية. وتبلغ مساحة الكويت نحو 18 ألف كيلومتر مربع وعدد سكانها نحو334و484و2 مليون نسمة بينهم 500و913 ألف مواطن والباقي من جنسيات عربية وغير عربية وذلك حسب احصاء عام 2003م. ويتكون سطح الكويت من سهول رملية منبسطة- وتلال قليلة متفرقة- غير أن أبرز مظهر طبيعي يتمثل في وادي الباطن الواقع في الشمال الغربي من البلاد والذي يمثل وسطه الحدود الكويتية العراقية.وللكويت عدد من الجزر أكبرها جزيرة بوبيان وإلى شمالها جزيرة وربة- وفي مدخل جون الكويت تقع جزيرة فيلكا ذات الشهرة التاريخية- وبجوارها تقع جزيرتا مسكان وعوهة. وهناك جزر صغيرة أخرى عند الساحل الجنوبي للبلاد هي «كبر» و«قاروه» و«أم المرادم».وقد عُرفت هذه المنطقة أولا باسم (كاظمة) إلى أوائل القرن السابع عشر- وكان ميناؤها الذي يحمل الاسم نفسه يقع في الجزء الشمالي الغربي من جون الكويت.ثم انتقل المركز الحضري المذكور إلى جنوب الجون حيث عُرف باسم القرين ثم الكويت.وتشير الوثائق والدلالات التاريخية إلى أن نشأة مدينة الكويت كانت عام 1613م- حينما بدأ توافد مجموعة الأسر والقبائل إلى هذه المنطقة مهاجرين من نجد مدركين ببصيرة ثاقبة أهمية هذا الموقع ومميزاته المكانية.وقد تحولت القبائل التي نزلت بمنطقة الكويت إلى مجتمع حضري- له كيان سياسي واضح يتميز بالاستقرار والازدهار-يشهد له الرحالون الذين زاروا المنطقة- ومنهم مرتضى بن علوان في عام 1709م- كما تشير وثائق الأرشيف البريطاني إلى أن الحكم كان لآل صباح في عام 1716م وهو أمر يشير إلى أن ظهور هذا المجتمع يمتد لفترة سابقة. استقر فيها المجتمع الكويتي- وانطلقت نشاطاته في البر والبحر- وبدت الحاجة ملحة إلى قيادة يرجع إليها الناس في أمورهم- وتمتلك الشرعية والقدرة على تأمين وحماية مجتمعهم ومصالحهم وتمثيلهم لدى الجهات والمجتمعات التي تحيط بهم- فعهدوا بالرئاسة إلى رجل فيهم من آل صباح رأوه متميزا بالخير وأقربهم إلى الحق- وغدا الحكم في هذه الأسرة يتوارثه الأرشد الأكبر منهم إلى هذا اليوم.تميز النشاط الاقتصادي لهذا المجتمع في بواكيره ونشأته بالتنوع فجمع بين النشاط البري والنشاط البحري- وقد غاص أبناء هذا المجتمع في أعماق البحار بحثا عن اللآلئ- وجابوا البحار في سفن صنعوها بأيديهم- وقاموا بنقل البضائع والتجارة بين موانى الخليج وإفريقيا وساحل الهند ووصلوا إلى كولومبو والبنغال وجزر الهند الشرقية- وقد سجل المؤرخون وقباطنة البحارالأجانب إشادتهم بهذا النشاط البحري كما أشادوا بمتانة السفن الكويتية وكثرتها- فيذكر «كنبهاوزن» المقيم المسؤول لشركة الهند الشرقية الهولندية في عام 1756م أن الكويت في تلك الفترة المبكرة كانت تمتلك 300 سفينة يعمل عليها 4000 رجل في صيد اللؤلؤ بخلاف سفن صيد الأسماك وسفن التجارة- وأن الكويت قوة بحرية نامية. ويمكن أن ندرك المعدل المتسارع لهذا النمو مما ذكره الرحالة الألماني «كارستن نيبور Carsten Neibuhr بعد ثماني سنــــوات من ذلــك التاريــخ في حديــثه عن رحـلاته إلى الخليج وشبه الجزيرة العربية بين عامي 1764 و1765 حيث وصف ما حققته الكويت من ازدهار- وأن أبناءها أصبحوا يمتلكون أكثر من ثمانمائة سفينة. ويعرب «فاليارس» (1938) صاحب كتاب «أبناء السندباد» ويعني بهم الكويتيين- عن إعجابه بنشاط الكويت البحري- ويذكر: «أن واجهة الكويت البحرية من أبدع ما تقع عليه العين- وهي تمتد إلى مسافة ميلين- مكونة ورشة كبرى لصنع سفن النقل الشراعية- وتزدحم السفن على طول هذه الواجهة في حركة لا تهدأ- وعمل لا ينقطع ترداده» ويصف لنا مسلك البحارة الكويتيين على السفينة ذاكرا: «أنهم يرونها وطنا رغم قسوة العمل وخشونته- ويتسابقون إلى إنجاز أشق الأعمال ركضا في طاعة ورضا ومحبة ليل نهار- وهو نهج لم أره على أي سفينة أخرى إلا في مسلك بحارة الكويت. يقطعون عشرة آلاف ميل بسفنهم وسط العديد من المخاطر دون جلبة أو تذمر- إنهم بحارة إلى النخاع ورجال لا يعرفون الزيف».ورغم السلطة المطلقة غير المحدودة التي تمنحها التقاليد البحرية للنوخذة (القبطان)- فإن روايات التاريخ وشهادات البحارة تطلعنا على أن النوخذة الكويتي بعامة- كان مثلا في التمسك بالعدل والأمانة- لا يفرط في فلس واحد من حق البحارة أو السفينة أو التاجر الذي ائتمنه عليها- وكان يتعامل مع البحارة بروح الأب الوالد ويعطي القدوة من نفسه- فانعكس ذلك على مجتمع السفينة بهجة تتردد فيها الأغاني التي يصدح بها البحارة- وتعاونا صادقا وبذلا لا حدود له- ونجاحا للرحلة وعائداتها.وكان الشق الآخر من نشاط مجتمع الكويت في بواكير نشأته يتمثل في النشاط البري الذي سارت به القوافل الضخمة بما تحمله من تجارة ومسافرين إلى دمشق وحلب في الشمال- وكانت القافلة تضم كما ذكر لنا الطبيب الإنجليزي «إدوارد إيفز» عام 1758م في تقريره ـ حيث كان يزمع السفر مع إحدى هذه القوافل ـ خمسة آلاف جمل وألف رجل يقودونها- الأمر الذي يوضح حجم هذا النشاط التجاري البري- كما يوضح مقدار النفوذ السياسي الذي يحظى به حاكم الكويت في داخل الجزيرة العربية وقدرته على تأمين الطريق لتلك القافلة الكبيرة لتصل إلى هدفها النهائي.وقد كان لهذه الأنشطة الاقتصادية في البر والبحر قبل ظهور النفط آثارها العميقة التي انعكست على مجتمع الكويت في مختلف جوانبه- وصاغت توجهه في رحلة بنائه- فقد أصبح التلاحم والتكافل والتعاون والعمل المشترك واحترام الكلمة والوفاء بها منهجا للحياة- وعلمتهم الشدائد أن الشورى هي الضمان والأساس لوحدة المجتمع وانطلاقه- وأتاحت لهم الرحلات في البر والبحر انفتاحا على مجتمعات وأفكار جديدة ومختلفة- فاكتسبوا مرونة وتفتحا ذهنيا واستعدادا لتقبل كل جديد مفيد-وأصبحوا أكثر قدرة على مواجهة الظروف الطارئة- وتعلموا من المشكلات والمخاطرأن يكونوا واقعيين في معالجة أمورهم وممارسة أعمالهم- فقلَّ بينهم التعصب والتحزب- واتسم مسلكهم الديني باليسر والسماحة. [c1]الكويت في مواجهة صراع القوى العالمية في الخليج[/c]وقد واجه مجتمع الكويت في نشأته وعلى مدى تاريخه الذي ينوف على ثلاثة قرون أطماعا وصراعا لقوى كبرى نتيجة لنشاطاته النامية وازدهاره وظهوره كقوة مؤثرة في محيطه- ولموقعه الاستراتيجي في الخليج العربي الذي أصبح في هذه الفترة جاذبا للأطماع- وبالتالي مثيرا للصراعات بين القوى الراغبة في السيطرة على خطوط المواصلات العالمية التي تمثل الكويت حلقة وصل كبرى بين أجزائها. وقد نجحت الكويت في الحفاظ على طابعها ووجودها كيانا حضاريا متميزا ذا طبيعة مدنية بحكم الدور التجاري البحري لأبنائه- بينما غلب على الكيانات السياسية المجاورة نمط اجتماعي واقتصادي مختلف تراوح بين النمط الإقطاعي والنمط البدوي الذي لم ينتقل إلى مرحلة المجتمع المستقر.وقد واجه هذا الكيان الاقتصادي المتميز الذي تمثله الكويت قوى برية كبرى محيطة به كالدولة العثمانية في الشمال الغربي- وقوى بحرية كبرى موجودة في الخليج: البرتغاليون فالهولنديون ثم البريطانيون- كما كان للألمان والروس مصالحهم الخاصة فيه. وقد فرض ذلك على الكويت توجها التزم به حكامها وشعبها- وهو اتباع سياسة من التوازن تؤدي إلى الحفاظ على استقلالها وتجنب محاولات الدخول في نطاقات التبعية والهيمنة مع أي من القوى الكبرى- ويفسر لنا ذلك كثيرا من جوانب العلاقات الكويتية سواء مع الدولة العثمانية أومع سواها.[c1]علاقة الكويت بالدولة العثمانية[/c]وقد قاومت الكويت كل محاولات الاحتواء وفرض التبعية من جانب الدولة العثمانية التي هيمنت على معظم المشرق العربي- وإن حرصت على دعم واستمرار العلاقة الإسلامية العامة لدولة الخلافة- وهي علاقة دينية لا تمس مصالح الكويت ولا استقلالها- ولا يترتب عليها لولاة الدولة العثمانية في العراق أي حقوق سياسية في الكويت. فلم تقدم الكويت أي نوع من الولاء للولاة العثمانيين في البصرة أو غيرها- واعتمدت على نفسها في صد هجمات القبائل عليها- ولم تقبل تسليم من لجؤوا إليها من الثائرين على الدولة العثمانية- ورحبت الكويت برغبة الوكالة البريطانية التابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية في الانتقال إليها بعد خلافها مع السلطة العثمانية في البصرة- وبقيت في الكويت من عام 1793م إلى 1795م- ورفضت أن يمر خط برلين الحديدي بأرضها رغم ضغط الألمان- ورغم المباركة والمشاركة العثمانية لإقامته- ولم تقبل ـ وهذه دلالة حاسمة على استقلالها ـ أي ولاية عثمانية على سياستها الخارجية- فعقدت المعاهدات التي تحقق مصالحها كمعاهدة 1899 م مع بريطانيا. وظل الحكم منذ نشأة الكويت وعلى استمرار تاريخها في أسرة الصباح التي اختارها أهل الكويت دون تدخل أو ولاية من أي جهة خارجية- فظل القرار الكويتي مستقلا ينطلق من الرؤية الوطنية ومصالحها.وإذا تساءلنا عن صورة حدود الكويت مع جيرانها منذ أن تميز كيانها الحضري والسياسي واستقر في القرن السابع عشر فإننا نجد الجواب شديد الوضوح في الأعمال الكارتوجرافية التي نشرت عن الجزيرة العربية ومنطقة الكويت- والتي رسمها علماء مشهورون ينتمون إلى بلدان مختلفة خلال تلك القرون الثلاثة- وهي أعمال تاريخية نشرت قبل أن يثار أي ادعاء أو نزاع حول حدود الكويت- ومن هذه الخرائط خريطة الأخوين «أوتنز» التي تعود إلى أوائل القرن الثامن عشر- ثم خريطة «كارل ريتر» العالم الجغرافي الألماني الشهير والتي أعدها عام 1818م- وخريطة «بالجريف» الرحالة الإنجليزي 1862م. وتظهر حدود الكويت مع جيرانها وبخاصة الحدود الشمالية في هذه الخرائط على نحو مستقر ومتكرر يكاد يكون متطابقا ويزداد وضوحا ودقة مع تطور وارتقاء الأعمال الكارتوجرافية في القرن التاسع عشر. وتماثل خطوط الحدود التي نشاهدها في هذه الخرائط إلى حد كبير الوضع الحالي لحدود الكويت التي وردت في الاتفاقيات التي وقعتها العراق واعترفت بها في عام 1932م وأكدتها مرة ثانية في اتفاق 1963م ومرة ثالثة في عام 1994م. والاختلاف الوحيد الذي تظهره هذه الخرائط هو أن الحدود كانت تمتد أكثر إلى الشمال بحيث يشكل الحد الطبيعي المتمثل في جبل سنام الحد الشمالي بين الكويت والعراق.وفي بداية القرن العشرين حينما أخذت الدول العربية في الاستقلال حرصت الدول الجديدة على إعلان حدودها مع جيرانها- ومن بين هذة الدول «العراق» التي تبادلت المذكرات حول ذلك مع الكويت- وأسفر ذلك عن اعتراف تفصيلي متبادل بشأن الحدود في عام 1932م- وقد جرى تأكيد هذا التحديد والوصف للحدود الكويتية العراقية في اتفاقية لاحقة تمت بين الكويت والعراق في عام 1963م.وهذه الحدود التي اعترفت بها العراق مرتين قبل العدوان العراقي على الكويت عام 1990م هي الحدود ذاتها التي انتهت إليها اللجنة الدولية لترسيم الحدود بين الكويت والعراق التي شكلتها هيئة الأمم المتحدة بعد تحرير الكويت من العدوان العراقي- واعتمد تقريرها النهائي مجلس الأمن الدولي في قراره 833 في مايو 1993م- وهي الحدود نفسها التي اعترفت بها العراق أخيرا للمرة الثالثة في شهر نوفمبر 1994م.ولم تضف هذه الحدود أرضاً جديدة للكويت على حساب العراق- بل رسمت الحقائق المستقرة على أرض الواقع- وأتاحت للعراق الوصول إلى موانيه الستة بحرية كاملة- ومن خلال واجهة بحرية وممرات مائية متصلة تزيد على 300 كيلومتر- ومنحت العراق في سفوان وخور الزبير أكثر مما طالب به.
|
فكر
تاريخ دولة الكويت
أخبار متعلقة