كـتــاب
تأليف / لوسيل فيغرييه عرض / إصلاح العبد[c1]رحلة البداية للوصول الى صنعاء[/c]كتاب "أحداث عشتها في اليمن" تأليف لوسيل فيغرييه، وترجمة / خالد طه الخالد ، صدر عن دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة ، الطبعة العربية الأولى . المؤلفة هي من الشخصيات التي عرفت اليمن عن قرب فجاء كتابها واقعاً وأحداثاً عاشتها المؤلفة لوسيل التي ولدت في إقليم "تورين" الفرنسي ، في أسرة طبية ، فجدها لوسان فيغرييه كان طبيباً عقيداً، وأخو جدها شارل فيغرييه كان طبيباً فريقاً ، ووالدها بييرفيغر كان طبيباً أيضاً .كان والدها يعمل في المغرب حتى عام 1946م انتهت فترة عمله في مناجم "جردة" في المغرب، حينها عرضت وزارة العلاقات الثقافية الفرنسية على والدها إدارة المستشفى الفرنسي في صنعاء باليمن حيث كان نداء الشرق الأوسط يثير الجميع .في بداية الفصل الثاني تتحدث لوسيل عن مغادرتهم عدن في موكب من ثلاث سيارات امريكية الصنع وكانت المحطة الاولى المتوقع الوصول اليها المسيمير في اليمن حيث مروا بسلطنة لحج ووصلوا في آخر النهار الى دار الضيافة الذي من المقرر ان يقضوا ليلتهم فيه على ميدان القرية حيث تجمع الكثير من الفضوليين رجالاً ونساء واطفالاً تقول لوسيل " كان هذا اول احتكاك لنا بالشعب اليمني فاذا كنا اثرنا فضولهم فالحال كذلك بالنسبة لنا فقد كنا نلاحظهم من نوافذ الصالة العامة، نصحنا وزيرنا بالحاح بان نكون حذرين وألا نلتقط صوراً دون إذن .. فالعديد من اليمنيين يقلدون الإمام يحيى الذي يرفض ان يتصور بل وعلينا توخي الحذر بشأن الفوتوغراف اذ جمع الامام وولي العهد- قبل وقت غير بعيد - جميع الفوتوغرافات التي كان قد اشتراها بعض التجار وأحرقها في ميدان عام والآلات التي تتكلم وتغني مخالفة للدين! ومن طريف ماحدث انه ورغم تحذير الوزير بشأن الصور اتخذت الدكتورة لانسوي لنفسها مكاناً في إحدى البلكونات ، وحاولت التقاط صورا للناس والشارع لمحتها النساء واخذن في الصياح .. وعلى التو تشكل حشد مناوئ وكانت النساء يصرخن ويشرن باصابعهن على آلة التصوير زاد عدد الحشد واحتد التوتر واصبح يشكل خطراً وعلى جناح السرعة وصل عساكر وجعلوها تترك البلكون على الفور وشتتوا الجمع الغاضب لم تحدث مشكلة لكن حماقة هذه الدكتورة كادت تعرض البعثة للخطر فقد خاطرت بأمن البعثة من اجل صورة تذكارية بسيطة.في اليوم التالي واصل الجميع سفرهم باتجاه تعز منطقة نفوذ ولي العهد سيف الاسلام احمد فكانت نقطة الوقوف الاولى من اجل تناول طعام الغداء في واحة تعتبر مكاناً حقيقياً للراحة ولايمكن لمن لم يزر ابداً واحة ان يتخيل الراحة والشعور بالسكينة الذي نشعر به في ظل اشجار النخيل بالقرب من الماء الصافي البارد"..تقول لوسيل تعرفنا بعد ذلك على رجال القبائل الذين يجلسون في وضع القرفصاء وشكلوا دائرة وهم يمضغون القات..استأنف الموكب رحلته في الرابطة عصراً بعد انخفاض الحرارة غير بعيدين عن تعز كانت الطريق ملتوية ووعرة تتعرج في عرض الجبل " رأينا لاول مرة اشجار البن ، وكنت اظن ان اشجار البن صغيرة ،لكني اكتشفت انها اشجار كبيرة وحقاً : إن السفر يبني الشباب" !وتتحدث المؤلفة هنا ان تعز تتمتع بمصادر عديدة للمياه وتزود بمخزون واسع يقع اعلى المدينة على عكس مايعتقده غالبية الناس وبفضل تعدد مصادر المياه فان الاراضي خضراء وبالطبع زراعية ويعتني بها ولي العهد سيف الاسلام احمد شخصياً حيث عمل على استقدام مهندس الماني الجنسية ليبني فيها سداً بغرض سقي المزارع على نحو صحيح وتطوير زراعة الحمضيات..وصل اعضاء البعثة الطبية الى دار الضيافة حينها استقبلهم الوجهاء واخبروهم ان عليهم الانتظار لان سيف الاسلام احمد يرغب في استقبال وزير فرنسا والبعثة الطبية .تقول لوسيل " سكنا في غرفة كان الخدم او الاشخاص الذين يريدون التحدث الينا يدخلون دون أن يقرعوا الابواب الى درجة انني وأمي فوجئنا لمرات عديدة ونحن بالملابس الداخلية ! ومع الاخلاق المتشددة كان هذا مثيراً لفضولنا وفي الواقع لم يفهم اليمنيون ابداً استغرابنا من دخولهم علينا دون إذن فواجهتنا مصاعب جمة في تغيير عادات خدمنا في هذا الصدد".امر سيف الاسلام احمد بأن توضع تحت تصرفهم سيارات وبغال ومرشدون من اجل راحتهم حيث زارت لوسيل واعضاء البعثة ضواحي تعز وتعرفوا على هذه المدينة الرائعة جداً وفي هذا الفصل ايضاً تصف لوسيل الازياء اليمنية المختلفة وخصوصاً الملابس ذات الالوان والمنقوشة بخيوط الذهب والفضة بالنسبة للوجهاء والاغنياء وحزاماً عريضاً منقوشاً ايضاً بخيوط الذهب او الفضة وبالنسبة للآخرين يكون هذا الحزام من الجلد المدبوغ وخنجراً معقوفاً يسمى " جنبية" وهي خصوصية يمنية..بعد مضي ايام عديدة على الاستضافة الملكية والشرقية جداً ، استقبلهم اخيراً ولي العهد احمد ، كان الاستقبال حاراً جداً لكنه مثير للفضول فقد وجدوا انفسهم لاول مرة في حضور امير عربي ، استقبلهم سيف الاسلام احمد وهو جالس على كرسي خلف منضدة كان بدين الجسم وعيونه مكحلة بقصد التأثير في رعاياه وبما انه ولي العهد فهو يلبس عمامة ذات هدبتين اما الآخرون فانهم يلبسون العمامة التقليدية وبينما كان ينصت لوزير فرنسا الذي كان يروي له رحلة البعثة كان الامام يحرك تلقائياً عمامته من خلال سحبها من الهدبتين ، تارةً نحو الأمام وتارةً على جانب رأسه المحلوق..كان ولي العهد احمد اكثر انفتاحاً من ابيه ، وكان مستبداً ولايقبل بأدنى اشكال المقاومة او التمرد من قبائل منطقته فقد كان يردعهم بحزم وفظاظة.وتقول لوسيل ان هناك جانباً مضحكاً حيث " جاءت لحظة تبادل عبارات الترحيب.. وشرب الشاي والقهوة .. وكنا في حال يرثى له مرة اخرى اذا كنا قد نبهنا الى العادة المتشددة في ضرورة ان نصدر صوتاً عند الشرب كي ندلل على تقبل الكرم ، وبالرغم من اننا تدربنا على ذلك منذ اليوم السابق ، الا اننا لم نصدر الا اصواتاً ضعيفة اوروبية جداً." تتحدث لوسيل عن ضواحي تعز المتنوعة حيث كانت واخواها يتنزهون على ظهور البغال ويقومون بجولات في السهول والجبال وتعودوا على طبيعة البلاد التي سيعيشون فيها سنتين حيث تقول لوسيل" عادة واحدة ضايقتنا كثيراً ، بل وحالت دون ان نعدو ببغالنا بشكل طبيعي : فوفقاً لاوامر القائد ، يجب على العساكر ان يسيروا خلف مطايانا.. على الاقدام ، مهما كان عمرهم وحالتهم من الاعياء ... لكننا طالبنا بان تخصص لهم بغال.. وبعد عدة نزهات كنا نعاني من كوننا ملزمين دائماً باصطحاب الدكتورة لانسوي فخطرت لنا فكرة واتفقنا مثلنا مثل اي شباب قليلي التكافل على التظاهر بهجوم غجري حال وصولنا الى منحدرات الجبل.. واذا كنا متعودين على ركوب الخيل منذ نعومة اظافرنا فمن الواضح ان الامر ليس كذلك مع الدكتورة لانسوي .. وبالرغم من رفضها اتباع لعبتنا ، الا ان بغلتها اتبعت الاخريات واجبرت المسكينة على الاخذ بالايقاع الجنوني والداي حين رأياها عائدة والتعب باد عليها لاتستطيع لاصعود السلم ولا الجلوس.. وبخانا بشدة ، كل ذلك وهما يضحكان في سريرتهما وبالطبع تظاهرنا بطأطأة الرؤوس ، لكننا على علم باننا قد كسبنا ولم تعد الدكتورة لانسوي ترافقنا مطلقاً في نزهاتنا"..[c1]زيارة الحريم[/c]وخلال اقامة لوسيل وعائلتها في تعز عملوا على زيارة الحريم وكان الخدم حين ياخذوننا يرددون " الله طريق .. الله طريق" عمل الامام احمد على انتهاز فرصة وجود الدكتور بيير كي يفحص ويداوي اقاربه وعلى نحو خاص ولده محمد البدر ، الذي صار آخر امام لليمن ، كما عملت الدكتورة لانسوى على زيارة النساء حيث كان لدى ولي العهد اثنتان واربعون امرأة واحدة او اثنتان منهن - كما يبدو- لم يكن حتى يعرفهن !تأخر الاذن لهم بمغادرة تعز كثيراً ولم يكن امامهم سوى الانتظار والاستفادة من كرم الضيافة الاميرية فعلى الدوام كانت هناك سيارات وبغال تحت تصرفهم ولكن الدكتور بيير كان غاضباً ويردد بصوت عالٍ " لم آت الى هذا البلد لللتنزه وممارسة الحياة الاجتماعية " .واوضحت لوسيل انه بعد مضي خمسة عشر يوماً على مكوثهم في تعز تلقوا الاشارة اخيراً بالاستعداد لمغادرة تعز الى الحديدة ثم الى صنعاء ، فبدأت آثار الحرارة تظهر ودخلوا في طريق رملية من اجل عبور تهامة ليصلوا الى " حيس" وهي واحة وسط الرمال .. تعلق لوسيل قائلة " في الطريق لم نستطع اغلاق زجاج النوافذ خوفاً من ان نشتوي بداخل السيارات ، وبلعنا الغبار على مضض" وتمكنوا من الوصول الى حيس حيث تم استقبالهم في قصر العامل وقدموا لهم العشاء في صالة عامة على طاولات عريضة ومنخفضة وتقول لوسيل " خلافاً لما هو الحال في بلدان اسلامية اخرى ، يحترم اليمنيون عادات وتقاليد الزائرين الاجانب بعدم فصل الرجال عن النساء اذا كانوا غير مسلمين وبالتالي تناونا العشاء سوياً مع العامل وبعض الوجهاء واقيمت مأدبة على شرفنا عامرة بالخراف المحنودة والدجاج المشوية والبيض المسلوق واطباق المرق والحلبة وهي الاكلة الشعبية في اليمن وتتكون من الباميا المهروسة في الزيت والكثير من الفلفل الحار.. وبالطبع احترمنا العادات المحلية التي تقضى بان نأكل الاصابع ولم يكن ذلك سهلاً علينا في البداية لكننا بذلنا مابوسعنا كي لانخيب الظن .. والمثير للدهشة انه على سبيل تكريم الضيوف يأخذ اليمنيون بالايدي قطعة لحم ويضعونها في فم الضيف تقززت نفسي من ذلك ، لكن نظرة من والدي انقدتني فما العمل ؟ ليس الا الابتسام والشكر .. وابتهجت اساريرنا بوصول الحلوى والفواكه.حانت ساعة النوم حيث تقول لوسيل نمنا على مراتب كنا رششناها مسبقاً بمبيد حشري ، وذلك بعد ذهاب المضيفين ، حتى لانجرح مشاعرهم وهذا تصرف حكيم حتى نتمكن من النوم بهدوء ، لأن القمل منتشر على نحو عام.وفي اليوم التالي واصلوا سفرهم الى صنعاء مروا بزبيد كالعادة استضافهم عامل زبيد وتعرفوا على الاسواق اليمنية واشتروا بعض التذكاريات ومروا ببيت الفقيه وهي اخر مرحلة قبل الحديدة وتقول لوسيل واجهتنا بعض المشاكل بسبب الطرقات لانها غير معبدة فكانت السيارات تغوص في الرمال وفي المساء صار غوص السيارات اكثر من ذي قبل الى درجة اننا نضطر إلى السير على الاقدام امام السيارة كي نحدد لها حدود الطريق الترابية التي كانت غير واضحة المعالم. ولحسن الحظ كان ضوء القمر مشعاً ، وهو في اوج اكتماله وتقول لوسيل " لن انسى ماحييت منظر امواج الرمال العاكسة لضوء القمر ، ومناطق الظل التي كان لها منظر مغاير وغير مألوف وعلى الدوام، كان القبائل يظهرون من على الهضاب الرملية وكانهم يأتون من العدم مثل كائنات اسطورية ليقدموا لنا يد العون .[c1]صنعاء غريبة وواعدة[/c]في الفصل الرابع تتحدث المؤلفة عن وصولهم الى الحديدة والوصول بهم الى دار الضيافة وتتابع لوسيل قائلة " وكالعادة سكنا كافة في غرفة واحدة ، ومن حسن حظ الدكتورة لانسوي انها حصلت على غرفة خاصة بها . وبسبب حبها للاستقلالية وعدم نسيانها لذلك الموقف على ظهر البغال فلم تعرض على أحدنا ان يشاركها غرفتها ، ومكننا نحن الخمسة مكومين في غرفة واحدة.بعد اربعة ايام وفي الصباح الباكر غادرنا الحديدة الى باجل آخر مدن تهامة قبل الصعود نحو الهضاب العالية ، فاذا كانت منازل الحديدة مبنية من التراب الناعم وسعف اشجار النخيل فمنازل باجل اكواخ من القش وكالعادة استقبلهم العامل واسرته بحفاوة وتتابع لوسيل " بينما كان يتحدث معهم ذهبنا انا وامي الى الحمام كي نستحم ونلطف اجسامنا وما ان دخلنا حتى صرخت امي قائلة : انظري ما على الماء من شعر قد يكون شعر الحيوانات! وتقول لوسيل اقتربت لألقي نظرة فرأيت مايطفو على الماء انها يرقات بعوض وما من حل إلا استبعادها وشرب المياه المتواجدة في العمق ، وبدأنا في طقس تحتم علينا تكراره غالباً بينما يقوم شخص بابعاد اليرقات يقوم اخر بتغطيس علبة بعمق ويغرف الماء..في الصباح الباكر تم توديعهم وتابعوا سفرهم وحتى وصلوا الى حمام علي وهو نبع ماء معدني مياهه ساخنة جداً وهو حمام سباحة كبير ومغطى حيث تؤكد لوسيل قائلة " في هذا الحمام يستحم الناس والحيوانات معاً .. وتنبعث من المكان روائح كريهة ونظافته غير اكيدة وعند زيارته شعرنا بالغثيان واضطررنا الى مغادرته.تتابع المؤلفة قائلة لم يكن احد في انتظارنا ، اذ لم يبلغ العامل بأننا سنمر وقبلنا بضيافة فلاح كان يبدو انه فخور باستقبالنا فقد قدم لنا دجاجاً مشوياً بارداً وبيضاً متصلباً وفاكهة واحضرت النساء حليب الابل وماءً بارداً .. ولم تكن هؤلاء النساء محتجبات فنساء الريف على النقيض من نساء المدينة لديهن الحق في عدم لبس الحجاب والتحرك بحرية"..واصل الجميع سفرهم بالسيارات حيث كانت لوسيل ووالدها ينظرون الى جمال الجبال التي ادهشهم الهدوء السائد فيها وتصف لوسيل المنازل المعلقة بالجبال تحت ضوء القمر قائلة "منظرها ساحر وكانها بيوت للنحل" .. أخيراً وصلوا الى معبر استقبلهم العامل وبعض الوجهاء وكالعادة تناولوا الطعام وقضوا ليلة هادئة في الغرفة المخصصة للنوم حيث تستعيد لوسيل ذاكرتها قائلة كانت الفراشات عبارة عن وسائد محشوة بالقطن وموضوعة على الارض ومليئة بالحشرات وكما جرت العادة بمجرد ان نصبح وحيدين تخرج والدتي من حقيبتها مبيداً للحشرات وترش على الفرش والوسائد حتى نستطيع النوم بسلام.وما ان بزغ الصباح حتى غادروا هذه المرة قاصدين مدينة صنعاء فلم يعد امامهم سوى 50 كلم من السفر كانوا يقتربون من صنعاء ببطء .. وفي بداية الفصل الخامس تقول لوسيل اخيراً بدت لهم صنعاء في نهاية النهار جمالاً وغموضاً في ان واحد صنعاء التي بدت لهم غريبة وواعدة يوجد في صنعاء عدد قليل من الاوروبيين وقد جاء وفد منهم بقيادة الوزير الفرنسي والطبيب العقيد الى " باب السبح لاستقبال اعضاء البعثة الطبية من بين هؤلاء كان يوجد ( الفونس ليبمان) وشخص اخر يدعى ( دانزكير) اللذين اصبحا صديقين حقيقيين لاسرة الدكتور بيير وتتابع لوسيل " بعد سفرنا طوال اليوم كانت حالتنا الشاحبة بادية للعيان فاقترحوا اصطحابنا الى منزلنا الجديد وعرفونا على الخادمين اللذين سيتوليان خدمتنا وعلى اثنين من العسكر اللذين سيبقيان على الدوام في الطابق الاول للمنزل لضمان حمايتنا .. ومراقبتنا فلايجب ان نخرج بمفردنا بل يرافقنا احدهما بشكل دائم..يقع منزل لوسيل وافراد عائلتها في حي " بير العزب" وهو الحي الذي توجد به مساكن الاوروبيين وكان منزل لوسيل تحيط به حديقة مملوءة بالاشجار المزهرة كالنخيل والخروع والسنط الياباني ونبتة البيتونيا وتقول لوسيل لم ار بيتونيا اجمل من تلك التي في اليمن وهناك شيء مزعج وهو صوت صليل معدني لايتوقف وحين سألنا عن مصدر هذه الجلبة المستمر منذ وصولنا اخبرنا احد عساكرنا بان هذا هو صوت العجلات التي ترفع المياه من الابار ويستمر هذا الصوت طوال النهار لكن الحال انتهى بنا الى التعود على هذا وتتابع قائلة بالتأكيد لايوجد دولاب وعوضاً عن الدولاب استخدمنا صندوقاً ووضعنا فيه امتعتنا وعملنا فيه فواصل من الواح الخشب لنحدد حدود كل منا .. والجميل ان في الغرف خزانات محفورة في الحائط مبيضة بمادة الكلس " الجص" حيث وضعنا فيها تحفنا وقد ساعدنا والدي في جعل احدى الغرف للاستقبال وعلقنا على الجدران المبيضة بالكلس لوحات قماشية من القطن المزركش اشتغلها الحرفيون في صنعاء وكانت تحيط بقطع القماش اطارات خشبية مثبتة بمسامير حديدية مدببة ومازلت احتفظ بعدد من هذه الاطارات الخشبية في واجهة زجاجية في منزلي وهي تروق كثيراً لاصدقائي وبالطبع يطلبون مني الحديث عن اليمن..وليجدوا جواً مألوفاً لهم في صنعاء صمم الدكتور بيير رسماً لاثات البارات وهي طاولة وبجانبها مقاعد ثم اعطى التصميم لاحد النجارين ووظيفة هذا البار هو جعل المشروبات والكعك في متناول اليد وكان هذا يسر اصدقاءهم وزوارهم كما عمل الدكتور بيير ولوسيل على رسم لوحات بالطلاء على الجدران البيضاء تجسد الاغاني الفرنسية القديمة ، وعليها رسوم تظهر فيها مغازي الاغنية والشخصيات الرئيسية .. كما رسما سركاً به راقصة بهلوانية تمتطي حصاناً يعدو الى جانب مهرجين وبالاخص المهرج المعروف اوجست ومن الطرائف الجميلة بشأن هذا البار تقول لوسيل " ان الاوروبيين " كتبوا رسالة الى وزارة العلاقات الثقافية في باريس لاطلاعها باننا فتحنا باراً في صنعاء ! "وتتابع لوسيل قائلة على الرغم من ان والدي كان متعباً من الرحلة ، الا انه لم ياخذ اي قسط من الراحة حيث مارس عمله مباشرة في المستشفى على الرغم من ان الجو في المستشفى ليس على مايرام فالطبيب العقيد الذي من المقرر ان يحل والدي محله ، لم يكن مستعداً لترك مكانه ولاباس في ذلك فمن الممكن ان يبقى كلاهما بالتأكيد فالعمل يستوعبهما ويمكن ان يتفاهما جيداً ، ولكن للأسف لم يحصل هذا .. ولكي لاتجري الامور على مجاريها لم تعمل الدكتورة لانسوي على تذليل الصعاب امام المهمة.فقد عمل الإمام يحيى على توفير عربة يجرها حصان لتوصيل الدكتور بيير الى المستشفى صباحاً ومساء والى اي مكان يريد الذهاب اليه كما وفر حصانين للوسيل واخويها ليتمكنوا من القيام بجولات في الضواحي المسموح بزيارتها تقول لوسيل كنا نركب الخيول بتهور مما جعل والدي يشعر بالخوف لذا طلب منا ان نكون اكثر حذراً فليس لديه الرغبة في رتق جراح احدنا في حالة الاصابة.وتتابع كنا نتجول في الضواحي حيث كانت ضواحي مدينة صنعاء قليلة الظلال وبالتالي لاتوجد فيها زراعة ووحدها قطعان الماعز والخراف ترتعي فيها ويحرسها الاطفال والنساء المسنات وتتطرق المؤلفة في هذا الفصل الى ان المناخ ممتعاً في هضبة صنعاء حتى انها لم تر أرضاً غير مزروعة و لم يكن يمضي سوى عدة ايام على حرث الارض ونثر البذور حتى تتفتح البراعم وتضيف لوسيل قائلة على الرغم من شعوري بالسعادة في صنعاء الا انه كان لدي شعور بالاختناق الى حد ما وإني محاصرة وسط الجبال المحيطة بنا .. وربما هذا الشعور ناتج عن شغفي انا واسرتي بجو البحر وحب الرحلات ، ففي الجبال اشعر بأني في مكان مغلق على العكس من البحر الذي لا ارغب الا في النظر اليه ..