إعداد / ميسون عدنان الصادقمحمد شاكر يعتبر من ابرز التشكيليين المصريين الذين يباشرون التعامل مع الطبيعة بعناصرها الفنية ومرئياتها المتنوعة بقدرة عالية على إعادة صياغة المتعينات متجاوزاُ قانون الابصار المباشر إلى حالة من التوحد مع مفردات المعمار البصري وفي هذا السياق يوظف مهارته في استخدام اكثر من وسيط مثل الالوان الزيتية والقواقع والاصداف والصواميل والمسامير والخرده إضافة إلى تمكنه من الرسوم الجدارية والزجاج المعشق والفسيفساء الذي يحظى بعضوية رابطته الدولية لفنانيه المعاصرين .ففي بعض اعمال محمد شاكر يستخدم النور الخجول الذي يقترب من ضياء القمر في ليل حالك وفي كل الحالات يعتمد على اللون الأبيض بدرجاته بداية من النصاعة وحتى التشرب بالإصفرار المعمد مروراً بما بينهما وهو لايقف عند الحدود الفيزيقية لتسكين الضوء الأبيض داخل الصورة بل يطير به إلى مشارف اللامرئي حيث يتحول إلى توصيف كوني مختلف وهو النور غير معلوم المنبع والقادر على الانتشار وافتراش حبيبات التوال لتبدو كحبات من الماس على صدر التكوين وهنا تتجلى بعض صفات النور الذي يدرك في ذاته ويدرك به في آن عكس الضوء الذي تدرك به الاشياء فقط لأنه معرض للزوال.وتجمع الصورة عند محمد شاكر بين صلابة المعمار وليونة الجسد الإنساني ورائحة أنفاس البشر وهو استيعاب شديد الحساسية للمشهد الصوفي في معالجته للمرئي بوصفه وسيلة لاستكناه اللامرئي ولعل هذا مايفسر الاختفاء الكلي للعنصر البشري في أعمال هذا الفنان الحافلة بذلك الإيقاع المستتر السخي والذي يجمع بين الظاهر والباطن بين النسبي والمطلق .فمنذ ان تخرج من كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية وهو مخلص لخاماته باعتبارها وسيلة لتجديد رؤيته وتفعيل صلته ببكارة الطبيعة وعذرية اسطحه التصويرية ففي أعماله الزيتية ينزع الفنان إلى الانتقاء القصدي لشرائح من بعض البيئات المحيطة به في الاسكندرية ومناطق أخرى من أرض مصر وغير ذلك البناء البسيط شحيح العناصر يستطيع التقاط روح المكان الداخل الصورة بكل ابعاده التاريخية والجغرافية والزمنية بجنوح نحو اصطياد الموجودات الموغلة في القدم والمكسوة بالطابع الاثري في اسوان وسيوة ومطروح والصحراء الغربية وغيرها من البقاع التي نشي بمتواترات الماضي .ويتلاعب شاكر بأدوات النسيج البصري مثل الضوء وتأثيراته الروحية والتكوين وتماسكاته البنائية والملمس وإيقاعاته العفوية يضاف إليها بعض الايماءات الرمزية التي تتسرب على استحياء من باطن الشكل إلى اسفنجة التلقي فعلى مستوى الضوء يميل الفنان إلى إبراز البعد الثالث في العمل عن طريق ذلك الرداء الأبيض الشفاف الذي يدثر به مفرداته في هيئة انسكابات نورانية على جسد العنصر يتأرجح فيها مصدر الضوء بين المعلوم والمجهول على صراط دقيق يفصل بين المفهومين الغربي والشرقي حيث يعني الاول بتحديد الزمن بوساطة الضوء بينما يحرص الثاني على إدراك النور من خلال الزمن المرئي فتجد مفردات الفنان هنا تجمع بين الاعمدة التيجانية العتيقة والصخور ةالاحجار والكهوف والحارات والممرات والقدور والحلقات الحديدية والبوابات الخشبية والفتحات المظلمة إضافة إاى المسطحات المائية والاشجار أحياناً .ويلعب النور هنا أيضاً دوراً مماثلاً لقرينه في الاعمال الزيتية حيث اختفاء المصدر الذي يقفز بالعمل من فوق السور الحسي إلى الفناء الحدسي الرحيب ولان الكيان الابداعي لايتجزأ لاسيما إذا كان رافداً من ينابيع ثقافية منفردة قوامها العقيدة والمد الزمني المتتابع فإن شاكر ينتقل بكل آلياته البصرية إلى الشارع المصري حيث تمكنه من فن الفسيفساء والزجاج المعشق بألوانهما الصداحة وخضوعهما لقوانين الطبيعة المناخية من الحرارة والرطوبة والضوء والأخير هو من أهم ادوات الفنان لذا فهو يوظفه بدراية ووعي شديدين من خلال العلاقة بين داخل المبنى وخارجه في توأمة واقعية حية بين الضوء المادي والنور الروحي وعبر تلك القدرات الابداعية المترامية يغازل محمد شاكر عيون المجتمع المصري بلامساته السحرية على جدران المؤسسات والكليات والوزارات والشركات والنوادي والفنادق والمطاعم بأدوات فنية واثقة من هويتها المعرفية والتاريخية في قبضة فنان يشق أخدوداً للجمال في صدر القبح ويمسح على جسد الظلام بأصابع من نور .
|
ثقافة
الفنان التشكيلي المصري محمد شاكر في سطور
أخبار متعلقة