مريم سليم :إن الاهتمام بنهضة المرأة العربية ومشاركتها الفعالة في التنمية يتطلب تكاتف الجهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاتصالية، وما يعنينا هنا هو الاستخدام الأمثل لوسائل الإعلام الجماهيري لخدمة المرأة العربية وتحسين مستوى حياتها، باعتبار أن لوسائل الإعلام الجماهيري دوراً رئيسياً في عملية التغير الاجتماعي والتنمية الشاملة، فهي إحدى الوسائل التي تؤثر في وعي ومعرفة معتقدات وقيم وعادات وسلوك الأفراد.ومع نهاية عقد المرأة وبداية التسعينيات، أجريت في الأقطار العربية العديد من الدراسات، وعقدت الندوات لبحث كيفية تناول وسائل الإعلام العربية للمرأة العربية في الصحافة المكتوبة والراديو والتلفزيون والإنتاج الثقافي وفنون التعبير والسينما.وأقدم فيما يلي عرضاً موجزاً لأهم النتائج التي توصلت إليها الدراسات والندوات حول كيفية تناول وسائل الإعلام الجماهيري للمرأة العربية.أ ـ إن معظم مضامين وسائل الإعلام العربية تعكس الاهتمامات والأدوار التقليدية للمرأة، فهي الأنثى المهتمة بالطبخ والأزياء والتجميل والإنجاب والعلاقات الأسرية السطحية، وهي المشغولة بالمظاهر والشكليات.ب ـ تصور هذه المضامين المرأة على أنها عاطفية شديدة الحساسية غير قادرة على التفكير السليم أو اتخاذ القرارات وأخذ زمان المبادرة، كما أن صورة الذات عندها سلبية تتمثل بالاستسلام لصورة الرجل.ج ـ تفتقر هذه المضامين إلى معالجة حقيقية لأوضاع المرأة العربية وقضاياها وهمومها الجوهرية في المجتمع، فالتركيز يكون عادة على القضايا ذات الطابع العاطفي والعلاقات مع الرجل (الحبيب أو الزوج) ومع الأولاد والوالدين، وحتى هذه القضايا تتم معالجتها عادة بسطحية دون التركيز على أسبابها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية.د ـ المرأة العربية الريفية والبدوية والفقيرة والكادحة والمناضلة مهملة في مضامين وسائل الإعلام العربية، وكذلك الصغيرة السن والكبيرة السن والسمنة والمعوقة وغير المتزوجة. وحين تتناول وسائل الإعلام العربية صورة المرأة المذكورة أعلاه فهي تتناولها بشكل مشوه بعيد عن الواقع، سواء من ناحية شخصيتها وتصرفاتها أو من ناحية القضايا والمشكلات والهموم الأساسية التي تواجهها.هـ ـ ترتكز وسائل الإعلام الجماهيري على النساء الناضجات الشابات والنساء في المدن والمنتميات إلى الطبقات الوسطى والعليا. كما ترتكز على شريحة من النساء تمثل أقلية في المجتمع كالفنانات وسيدات المجتمع والمنحرفات.و ـ إن معظم مضامين وسائل الإعلام العربية لا تعكس أي دور للمرأة العربية أو تطلعاتها في عملية التنمية وتعجز عن مواكبة تطور المرأة العربية أو سوء حالها في الحياة المعاصرة.ز ـ تظهر المرأة العربية في مضامين وسائل الإعلام مستهلكة غير منتجة غير مشاركة في عملية التنمية، وهي في معظم الأحيان غائبة عن ميادين الإنتاج والخدمات والنشاط الاقتصادي، كما وتظهر غير قادرة على الإبداع في أي من هذه المجالات.ح ـ تظهر المرأة في الإعلام العربي بعيدة ن القضايا العامة في مجتمعها مثل السكان والتنمية والبيئة والفقر والعمل خارج المنزل والصحة والتعليم والتغيير الاجتماعي وقضايا التشريعات العامة، وبخاصة تلك المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع.ط ـ لا تظهر المرأة العربية في مضامين الإعلام العربي أية اهتمامات للمشاركة السياسية أو النقابية أو النضالية أو الاجتماعية أو الثقافية.ي ـ يصور الإعلام العربي عادة المرة العاملة المتعلمة على أنها مجردة من مشاعر الأمومة أو الأنوثة، مغتربة عن العادات والتقاليد، وفي صراع دائم لا ينتهي إلا بعودتها إلى البيت.ك ـ تظهر المرأة العربية في وسائل الإعلام بشخصية غير واضحة المعالم، إذ تبدو متأثرة بشكل كبير وغير مبرر بنموذج المرأة الغربية على حساب هويتها العربية والقومية.ل ـ تعزز وسائل الإعلام الموجهة للأطفال صورة الأنثى على أنها مخلوق ناقص تابع للرجل، وعليه فإنها تعرض الأطفال إلى فكرة التفرقة بين الجنسين وسيطرة الرجل وتبعية المرأة.م ـ معظمها لا تزال تركز على الأدوار التقليدية للمرأة واهتماماتها على حساب الأدوار الأخرى لها، كشريكة في الإنتاج وبناء الأسرة وفي اتخاذ القرار، وكمساهمة في مختلف جوانب الحياة والعمل والخلق والإبداع الفكري والفني والثقافي، وكإنسانة تتساوى مع الرجل في الحقوق والمسؤوليات.ن ـ كثيراً ما تستغل مضامين وسائل الإعلام العربية المرأة باعتبارها موضوعاً للجنس وأداة للجذب الجنسي ووسيلة لتشجيع وزيادة الاستهلاك وبخاصة في مجال الإعلانات.وإن أخطر ما في ((الصور النمطية)) السلبية للمرأة العربية في المجتمع هو أن ((المرأة ذاتها عادة ما تتبنى هذه الصور السلبية الجامدة غير الواقعية ـ إما كلياً أو جزئياً ـ أو أنها تتظاهر بتبنيها في إطار حرصها على التقبل الاجتماعي أو التوافق الاجتماعي)).فمن المنطلقات في تكوين وعي الإعلام الإنمائي للمرأة هو التوجه إلى قوى الأسرة والتربية والثقافة ومؤسسات العمل وأجهزة الاتصال الجماهيري لتصحيح التصورات والأعراف الاجتماعية غير الرشيدة، وبخاصة ما ترسخ منها حول وضع المرأة، وتتناغم في تأثيراه في التكوين الاجتماعي للمواطن واتجاهات حياته فكراً ووجداناً وسلوكاً. وفي إطار هذا التكوين، يغدو الاهتمام بوضع المرأة في المجتمع على أنها مواطنة تتمتع بحقوق المواطنية كافة، وإن السعي إلى تطوير أوضاعها لا يستمد مبرره من مجرد اعتبارها قوة اقتصادية فحسب، إنما يتسع إلى المنظور الانساني الكامل الذي يحقق للمرأة ذاتها وينمي طاقاتها الفكرية والروحية والجسدية والاجتماعية والعملية والإبداعية، وبمعنى آخر ينمي كل جوانب شخصيتها الانسانية.إن إعلامنا عامة شبيه بإعلام الدول النامية، فهو استهلاكي للتسلية السطحية غير معني بحاجات الناس مباشرة، خال من الإعلام العملي والوصفي والوظائفي، تطغى عليه الإعلامية السياسية والترفيه البدائي، يفتقر إلى أدنى درجات الوعي التربوي، يرتاح لصورة المرأة التقليدية غير المقلقة، يستورد الصور الحديثة التي تستند إلى حقائق قديمة فيقع في التناقضات.فالحديث عن تطور أوضاع المرأة لا يمكن أن يكتمل إلا بإبراز الوضع الذي تتميز به أجهزة الإعلام وسياستها، تلك التي تلعب دوراً مهماً في تشكيل النسق القيمي والثقافي السائد في المجتمع، وما يترتب عليه من علاقات وسلوكيات. فإما أن تساعد على تغيير المفاهيم والقيم والعادات التقليدية المختلفة، فتسهم بذلك في زيادة وعي الأفراد لواقعهم وبالأدوار الجديدة التي تفرضها ظروف ومقتضيات التنمية والتطور، أو تساعد على تثبيت وتعميق المفاهيم والتصورات التقليدية، فتسهم عندئذ في تزييف وعي الأفراد بواقعهم وذواتهم وأدوارهم الحقيقية.
|
ومجتمع
تهميش دور المرأة العربية في وسائل الإعلام
أخبار متعلقة