ليس من قوة الإيمان بمكان ، أن يفقه المؤمن أن تغيير المنكر من الإيمان ؛ دون استيعاب آلية التغيير التي ترك الشرع عملية تغييرها للحاكم وفقاً لظروف الحكم في كل زمان ومكان ! . وقد يكون الوقوف السطحي على أحكام الشريعة سبيلاً إلى هدم الشريعة على أيدي أصحابه السطحيين ! هذا الهدم الناتج عن جهل أصحابه بحقيقة ثابتة وهي أن الله عز وجل لا يجوز لأحد أن ينوب عنه في الأرض بصرف صكوك الغفران ، ويقضي لهذا بالجنة ، ويقضي لهذا بالنار !! ويمنح هذا صفة الكفر ، ويمنح ذاك صفة الايمان !! . ومن هنا ، يتجلى فك إشكالية دور الرسل والخلفاء والقضاة والمحتسبين عندما يصدر منهم تكفير أو إقامة حدود أو إصدار فتاوى بالحل أو الحرمة ! .فإما الرسل ، فكل أعمالهم هي من وحي الله تعالى ، لذلك أضاف الله أسماءهم إلى اسمه برابطة الرسالة! وأما الخلفاء والقضاة وأهل الحسبة ، فليسوا سوى واقفين على بينات تستدعي منهم جهوداً عظيمة لإخراجها من دائرة الظن إلى نور اليقين ومن ثم استنباط الأحكام المناسبة لها في قاموس الشريعة الغراء !! .وهذا المبدأ ، هو أصل التأني في القضايا التي بين يدي القضاء لأن تشخيص القضايا واستنباط الأحكام يتطلبان وقتاً وجهداً كافيين حتى يتسنى ضمان النجاة من الوقوع في الحرج والظلم ! والافتئات على مؤسسات الخلافة (( الدولة )) في تنفيذ الأحكام، لم يقل به أحد من السلف ، ولم يلق تزكية من احد غير الشيخ الداعية الكبير الأستاذ / محمد الغزالي – رحمه الله – في شهادته المعروفة في حادثة اغتيال الدكتور فرج فودة على ما أتذكره الآن ! ولو كان الافتئات مسموحاً لشاعت الفوضى في المجتمع ، ولم يأمن الإسلام من نفوس مريضة بداخلها ضغائن أن تستغل أخطاء آخرين فتفتئت في إقامة الشرع بحجة إقامة حكم الله ! ومن هنا ، استحقت الدولة هذا الحق خالصاً حتى لا تضعف هيبتها ، وحتى تقضي على استخدام الشرعية ستاراً لأهواء مريضة استعمرت قلوباً خلت من حقيقة الايمان بالله !! وعلى الوجه الآخر ، يساهم الافتئات في ضرب الشريعة على أيدي أهلها ، بتخريجات إسلامية (( محلية )) تحرج الخصم مع أن الحق اذا أريد به باطل فهو هواء بل وأسوأ من الباطل نفسه !! وكم آلمني الخبر ، أن رجلاً ضربه قوم حتى مات في أحد الأسواق بسبب أنه سب الدين كما قيل ! وبغض النظر عن تفاصيل الحادث ، فإن سب الدين أو الرب المعروف بالعادة والاستقراء هو ذنب عظيم يتفوه به كثيرون عند الغضب أو الانهيار العصبي ، وهي حالات تعطيها العدالة حقها من البحث المؤدي إلى تشخيص حال المخطئ ومن ثم إصدار التأديب الذي يستحقه شرعاً ! .والجهل بالإسلام وأحكامه قد يضر بالدين وأصحابه من داخله وعندما يحمل المسلم معول الهدم ويتقمص بحماس خاطئ يريد حماية الدين والغضب له خارج المؤسسات الشرعية فإن أول المضروبين بهذا المعول هو دينه الذي يحيط به المرجفون والمنافقون من كل مكان ومن ثم يقع هو ضحية المأزق الذي أحرج به نفسه !! ولقد أمتعني ما قيل أن عمر بن مهران ، كاتب الخيزران ، أم الخليفين : الأمين والمأمون ، كان يأمر الوكلاء والعمال الذين معه ان يكتبوا على الأختام التي يختمون بها مخازن المؤن : اللهم احفظه ممن يحفظه !! .ولقد صدق ، والله ، فالقائمون على حفاظة الخزائن والمستودعات هم اخطر الناس على ما استؤمنوا عليه لقرب أيديهم منها ولقوة وازع الشيطان وتسويله لهم بخيانة الأمانة التي تقلدوها !!
عندما يهوي الفضول بأصحابه !!
أخبار متعلقة