عاطف الغمري :المحلل العسكري الإسرائيلي المعروف بدقة معلوماته زئيف تشيف, كان قد كتب في صحيفة ها آرتس عام 1982م يقول: ان تفكيك العراق إلي دولة سنية وأخري شيعية, وفصل الجزء الكردي, هو أفضل ما يمكن تحقيقه لمصلحة إسرائيل في العراق.وبعد هذا النشر بخمسة وعشرين عاما, صوت مجلس الشيوخ الأمريكي في الأسبوع الأخير من سبتمبر2007م, علي قرار غير ملزم بتقسيم العراق إلي ثلاث دويلات علي أساس طائفي ـ سنية وشيعة, وأكراد. ورغم عدم إلزامية القرار فإنه يعد تمهيدا لما سيتم حدوثه في فترة ما بعد بوش, بعد أن أصبح واضحا ان بوش سيترك الحل النهائي لمشكلة أمريكا في العراق, وانسحاب قواتها, للرئيس القادم من بعده.ان تقسيم العراق وتفتيته سواء حسب ما أوضح زئيف تشيف بأنه هدف إسرائيلي قديم ومستمر, أو ما صرح به كتاب وساسة أمريكيون من ان حرب العراق كانت في الأصل تنفيذا لخطة إسرائيلية, مثلما قال بالتحديد السياسي الجمهوري باتريك بيوكانين الذي كان مرشحا سابقا للرئاسة, بأن الحرب في العراق نفذت تحقيقا لمصالح إسرائيل. ولقد أثبتت وثائق منشورة ان تقسيم العراق جزء من خطة اشمل لتفتيت العالم العربي بكامله.وهذا هو ما أكدته الوثيقة التي حملت عنوان إستراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات والتي تكشف عن ان تفتيت الدول العربية إلي دول اصغر مما هي عليه, كان فكرة رئيسية لدي قادة إسرائيل تتكرر دوريا.هذه الإستراتيجية جاءت في مقال نشر في المجلة الصهيونية كيفونيم, وهي المجلة الناطقة باسم إدارة الإعلام بالمنظمة الصهيونية العالمية. وكاتبه أوديد يينون, وهو صحفي إسرائيلي, كان قبل كتابته يعمل بوزارة الخارجية الإسرائيلية. وقد تولت نشر هذه الوثيقة في بلمونت بولاية ماساشو سيتس عام1982, جمعية خريجي الجامعات من العرب الأمريكيين. باعتبار هذه الوثيقة تكشف عن إستراتيجية صهيونية للشرق الأوسط هي الأكثر صراحة وتفصيلا, وبعدا عن الغموض عن أي خطط إسرائيلية أخري. والخطة تقوم علي مفهومين أساسيين:1 ـ ان تصبح إسرائيل قوة إمبريالية مهيمنة.2 ـ تقسيم المنطقة بأكملها إلي دول صغيرة, بتفكيك جميع الدول العربية الموجودة حاليا.وان هذا التفتيت هو الذي سيجعل الدول العربية مهيأة للخضوع للهيمنة الإسرائيلية.وتضيف الوثيقة ان إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات, تتحدث عن الفرص بعيدة المدى التي تتاح لأول مرة منذ حرب1967, والتي خلقها الموقف العاصف جدا من حول إسرائيل.لقد تداخلت الخطط الصهيونية ذات الاستمرارية. مع الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة منذ غزو العراق, ومنذ انتقال السياسة الخارجية الأمريكية من مرحلة التحيز لإسرائيل إلي مرحلة التطابق في الأفكار الخاصة بالمنطقة كلها, وفي أفكار حل المشكلة الفلسطينية, والنزاع العربي الإسرائيلي بشكل عام, وظهور التوجهات الأمريكية الخاصة بإعادة صياغة أوضاع المنطقة, وتغييرها من الداخل, بدءا من خطة الضربة العسكرية في العراق والتي سميت الصدمة والترويع. وكان الرئيس بوش قبل بدء الحرب بحوالي عشرة أيام قد أعلن في كلمة ألقاها أمام معهد أمير كان انتربرايز( وهو قلعة المحافظين الجدد) ان العراق سيكون بعد الحرب النموذج الملهم لكل دول المنطقة. وقد رأينا أولي خطوات صناعة هذا النموذج الملهم عقب الغزو مباشرة, بقرارات التقسيم الطائفي للدولة ونظام الحكم فيها, ثم ها نحن بعد4 سنوات نري قرار مجلس الشيوخ الذي أيده ديمقراطيون وجمهوريون.وتفتيت الدول العربية سبق ان جاء في كتابات مايكل ليدن صاحب مشروع الفوضى الخلاقة, وليدن هو كبير خبراء بمعهد اميركان انتربرايز, وهو الذي ترجع إليه حكومة بوش في تقديم أفكار عن العراق والشرق الأوسط, وهو الذي كلف في عام2002 بوضع خطة لتغيير الشرق الأوسط من الداخل علي مدي عشر سنوات.وتفتيت العالم العربي كان جزءا من مشروع تغيير المنطقة من الداخل والتي كانت حرب العراق بوابة الدخول اليها, حسب الشرح الذي قدمه تشارلز كراوتهامر, احد ابرز منظري جماعة المحافظين الجدد, وهو الذي حدد ملامح الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة, بتفسيره لسياسة انتقال خط المواجهة من علي حدود العدو السوفيتي القديم, إلي العالم العربي.ومن الواضح ان خطط التفتيت إسرائيليا وأمريكيا, قد تلاقت عند نقطة واحدة, منذ وصول المحافظين الجدد إلي الحكم في واشنطن عام2001, وفوز الليكود في انتخابات عام2000, وبدأ التنسيق والتعاون, لأن الاثنين كان يجمعهما تحالف منظم, وبرامج سياسية مشتركة, تضمنت تصفية القضية الفلسطينية, والانقلاب علي مرجعيات عملية السلام في مدريد1991, واتفاقيتي أوسلو1993 و1995, وتنفيذ المشروع القديم لغزو العراق الذي أفصح عنه زئيف تشيف عام1982, وقام بصياغته عام1992 بول وولفويتز أحد أبرز صقور المحافظين الجدد, والذي كان من أهم واضعي خطة الضربة العسكرية للعراق عام2003, والتي كشفت الوثائق ان أهدافها لا تتوقف عند حدود العراق, بل تتجاوزها إلي العالم العربي كله.وان تصويت الكونجرس بالموافقة بأغلبية75 صوتا ضد23, علي تقسيم العراق إلي ثلاث دويلات, لم يكن خطوة منفصلة قائمة بذاتها, لكنها جزء من سياق متصل, له ملامح وخطي ظاهرة, ومازالت تتواصل في العراق وفلسطين ولبنان, وغيرها في أرجاء العالم العربي, طبقا لما تؤكده سياساتهم وتصريحاتهم ووثائقهم. [c1]*نقلا عن / صحيفة الأهرام المصرية[/c]
أخبار متعلقة