أمين عبدالله إبراهيمالزراعة من أهم المحاور الرئيسية التي تناولتها العديد من المبادرات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية وعلى مستوى قمة هرم الأمم المتحدة، والتي عادة ما يتم فيها طرح ومناقشة مثل هذه المبادرات المهمة التي تتضمن الزراعة والمياه والطاقة والصحة والتنوع البيولوجي والتغير المناخي، في مؤتمرات دولية عالمية رفيعة المستوى، من أبرزها مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة الذي عقد في جوهانسبرغ والمؤتمر الدولي الخاص بالأمن الغذائي العالمي وتحديات تغير المناخ والطاقة الحيوية الذي عقد في العاصمة الإيطالية روما في يونيو 2008م ومؤتمرات أخرى عديدة لايتسع المجال هنا لذكرها والمهم هو مدى اهتمام تلك المؤتمرات القممية الدولية بقضية الزراعة نظراً لما تشكله من أهمية في إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعوب، إذ تلعب دوراً حيوياً في صحة وبقاء الإنسان لأنها تشكل المصدر الرئيسي للغذاء، خاصة إذا ما علمنا أن توفير الغذاء للشعوب في حاضرنا اليوم أصبح تحقيقه من الصعوبة بمكان ، حيث بات يؤرق حكومات الدول الغنية والفقيرة على حد سواء بسبب زيادة عدد سكان العالم وعدم قدرة المنتجات الزراعية المختلفة النباتية منها والحيوانية على تلبية احتياجات السكان الغذائية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية خاصة السلع الغذائية الرئيسية التي يعتمد عليها الفقراء - مثل القمح والأرز - في العيش والبقاء. ووفقاً لتحليلات وتوضيحات وتأكيدات خبراء الاقتصاد والتنمية والسكان، يعتبر الاختلال في العرض والطلب على السلع الرئيسية ، خاصة الغذائية، من أهم القضايا والتحديات التي تواجه الدول النامية ومنها بلادنا، نظراً لما يترتب عن هذا الاختلال من ارتفاع في الأسعار كما هو الحال بالنسبة لأسواق الحبوب، حيث شهدت مؤخراً أسعار القمح والأرز ارتفاعاً حاداً ما جهل التكيف معها أمراً في غاية الصعوبة والتعقيد لهذه الدول، ذلك لأن العديد منها تشكل موطناً للفقراء وجيوباً للفقر، إذ يحدد الفقر الغذائي بالسعرات الحرارية التي يحتاجها جسم الإنسان من أجل العيش والبقاء، وهو الأمر الذي يعيق تحقيق أحد أهم أهداف الألفية الإنمائية والمتمثل في الحد من الفقر وتخفيض عدد الفقراء إلى النصف، كذلك لا يعتبر الاختلال في العرض والطلب على السلع الغذائية ناجماً عن الزيادة السكانية وبالتالي زيادة في حجم الاستهلاك فحسب، بل أن النشاط الزراعي غير المستدام أدى إلى تدهور التربة خاصة تربة الأراضي الزراعية نتيجة استخدام أو ممارسة أساليب زراعية غير مستدامة، حيث تشير الدراسات إلى أن أكثر من (300) مليون من المزارعين في العالم يمارسون أسلوب الحراثة المتنقلة التي تعتمد على منح الأرض فترة إراحة مناسبة قد تمتد لسنة أو عدة سنوات، إلا أن الحاجة لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والغذائية للشعوب جعلت من إمكانية إعطاء الأرض الراحة الكافية المناسبة لها أمراً مستحيلا، أفقدها قدرتها على الإنتاج كما هو الحال بالنسبة للأراضي الهامشية حيث الاستمرار في زراعتها بكثافة أكبر من أن تستطيع التربة تحملها يفقدها خصوبتها وبالتالي تصبح قليلة الإنتاج ومن ثم يتم تركها لعدم الجدوى الاقتصادية من زراعتها ما يزيد من مساحة الأراضي الزراعية المهجورة التي تتجه نحو التصحر كما هو شأن الملوحة التي قد تصيب الأراضي الزراعية نتيجة الإفراط في عملية الري وفقدها خصوبتها وقدرتها على الإنتاج.كذلك، يعتبر عدم الأخذ في الاعتبار كلفة وانعكاسات السعي والتسرع في الأنشطة الاقتصادية المختلفة وخاصة الصناعية منها على حساب الأنشطة الزراعية من الأسباب التي أدت إلى فقدان المزيد من الأراضي الزراعية ما ساهم في نقصان حصة الفرد من الإنتاج الزراعي كما هو الحال بالنسبة إلى الرعي الجائر وإزالة الغابات والإفراط في استخدام الحطب للطهو والتدفئة وهي أنشطة يمارسها الفقراء بشكل عام، لذلك تعتبر هذه الأنشطة مسؤولة عن (70 % ) من التلف والتردي الذي يحدث للتربة في العالم من خلال زيادة تعرض التربة لعوامل التعرية المختلفة. أخيراً وبناء على ما تقدم يمكن القول إن تنمية القطاع الزراعي تعتبر من القضايا الحيوية المهمة التي يجب أن تأخذ مكانها الطبيعي في سلم أولويات التنمية المستدامة من خلال بذل المزيد الجهود نحو تحسين القدرة الإنتاجية للتربة باستخدام الأسمدة الكيميائية باعتدال وبالقدر المناسب بحيث تأخذ بعين الاعتبار تلوث المياه الجوفية الناجم عن ري المزروعات المسمدة وذلك لأن المياه الجوفية تعتبر من أهم مصادر المياه العذبة في الطبيعة، كما أن تنمية القطاع الزراعي باستخدام أساليب الري الحديثة والتكنولوجيا المتطورة والابتعاد عن الممارسات الزراعية غير المستدامة من شأنه أن يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي من خلال زيادة الإنتاجية للتربة وبالتالي زيادة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي للدول والذي من شأنه أن يزيد القدرة على استيعاب المزيد من الأيدي العاملة ما يخفف من معدل البطالة وحدة الفقر، كما يساهم في إيجاد فرص عمل أكثر للمرأة خاصة الريفية.كما أن تنظيم الرعي بشكل عام كإنشاء المحميات الرعوية والحد من قطع الأشجار واستخدامها في التدفئة والطهو من شأنه أن يخفف من درجة وحدة ومساحة التعرية التي يمكن أن تتعرض لها التربة لما لها من أهمية في اتزان النظام البيئي حيث تشكل المراعي والغابات موطناً للتنوع البيولوجي وعاملاً مؤثراً في تخفيف حدة التغير المناخي بامتصاصها لغاز ثاني أكسيد الكربون المتسبب الأساس في ظاهرة الاحتباس الحراري.
القطاع الزراعي والتنمية المستدامة
أخبار متعلقة