« الصحة تاج على رؤوس الاصحاء » حقيقة ليست مغيبة ، الكل يعلمها وحكمة الكل يدرك معانيها اما على المدى القريب او البعيد ؛ وواقع الحال في عالم اثقلته الامراض الخطيرة يعزز فيه العلماء والمختصون اهمية الاخذ بهذه الحكمة الساطعة .ولعل تحصين الاطفال دون العام من العمر ضد امراض الطفولة الثمانية القاتلة والتي من بينها شلل الاطفال، كذلك تحصين الفئة العمرية دون سن الخامسة في حملات وجولات التطعيم ضد داء الشلل ، يحمل الشيء من هذه الحكمة البليغة المعنى والاثر ، فهو احدى مقومات الصحة الرامية الى منع تلقي فلذات الاكباد لعدوى الامراض القاتلة التي اذا اتت عليهم اوقعت بهم الاذى وخلفت مآسي وعاثت في اجسادهم الخراب والدمار مخلفة تشوهات واعاقات تلازمهم مدى الحياة ، هذا اذا سلموا من الموت اصلاً جراء سطوتها وشدة ما تخلفه من اضرار خطيرة على اجسادهم الغضة الصغيرة التي لا تقوى على تحمل بشاعة امراض الطفولة .واذ بنا على اعتاب جولة سابعة من الحملة الوطنية الموسعة ضد شلل الاطفال (25 - 27 ديسمبر 2005م ) سنفسح المجال للحديث عن وباء انتشاره والسيطرة عليه وبيان خطر الشائعات على واقع ومستقبل اطفالنا والسؤال الذي يطرح نفسه .. ما الذي يمنع او يؤخر بعض الآباء والامهات عن تحصين اطفالهم بجرعات التحصين الروتيني ، وكذا بلقاح شلل الاطفال اثناء الحملات طالما وان اللقاح متوفر في كافة مراكز التحصين وان الذين يحصنون به من الاطفال سينالون مناعة دائمة كفيلة بمنع انتشار المرض والقضاء عليه نهائياً وقطع خط عودته وتفشيه مجدداً .خلفية انتشار المرضما كان لفيروس الشلل العام الماضي من انتشار في نيجيريا عائد لاسباب سياسية وشائعات استخدمت ووظفت لاغراض غير صحيحة ، فالخلاف السياسي بين الحكومة وبين مناطق معينة في نيجيريا ادى بأصحاب الرأي واصحاب القرار والتأثير الى جعل الناس يمتنعون عن تحصين اطفالهم ، وكانت النتيجة انتشار شلل الاطفال بشكل واسع وخطير ، ما دفع بالمدير الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية الدكتور / حسين عبدالرزاق الجزائري إلى ان بعث برسالة الى اليمن والى السودان وبقية الدول الاخرى في المنطقة والتي يُخشي من عودة المرض اليها ، ذكر فيها ان نسبة التغطية طالما وانها ليست عالية جداً ، فان عودة شلل الاطفال مرة ثانية ليس ببعيد ، ولم تكن كمية اللقاح عالمياً تكفي آنذاك بعد ما انتشر الوباء في السودان لتغطية تنفيذ حملة شاملة في اليمن ، لذا تأخرت الحملة ، وبالتالي ظهرت حالات اصابة جديدة بشلل الاطفال قبل بدء تلك الحملة، ولو كانت نسبة التغطية بالتحصين الروتيني عالية لما حدثت هذه المشكلة .انهاء الوباءقبل ان يعاود ظهور فيروس شلل الاطفال في البلاد مجدداً كانت وزارة الصحة العالمية والسكان قد تمكنت من انهاء هذا الفيروس لثلاث سنوات وبضع شهور اخرى ، فلم تشهد خلالها أية اصابة بالمرض على الاطلاق ولو حالة واحدة .فمرور ثلاث سنوات على أي بلد دون ظهور حالات جديدة لشلل الاطفال من منظور منظمة الصحة العالمية فيه دلالة على استئصال شلل الاطفال في البلد الذي ينطبق عليه هذا الشرط غير ان هذا لا يمنع دخول حالات من مكان آخر او من بلد آخر اذا لم تكن نسبة التغطية الشاملة بالتطعيم الروتيني المستمر ضد امراض الطفولة القاتلة عالية جداً ؟فلو طعم ( 80 - 90 ) من الاطفال ، سيكون بالمقابل ( 20 - 10 ) ممن لم يشملهم التطعيم ، هؤلاء في السنة التالية اذا ما ثبتت التغطية الجديدة عند الحد ذاته سينضمون الى غير المطعمين الجدد ليشكلوا معاً نسبة تصل تقريباً الى ( 40 ) او ( 20 ) .. بمعنى انه خلال ثلاث الى اربع سنوات سيكون هناك عدد كافي من الاطفال معرضين لامراض الطفولة بما فيها مرض شلل الاطفال .وهذا ما حصل بالفعل ، فنسبة التغطية بالتطعيم الروتيني المعتاد في اليمن لم ترقى الى النسبة المرتفعة المطلوبة ما هيأ بالفعل الظروف المناسبة لظهور فيروس الشلل ، وعلى نطاق واسع ساعد على انتشار حالات الاصابة بين الاطفال بهذا الفيروس الآتي اساساً من نيجيريا ، ثم وصل الى تشاد ومنها الى السودان ومن ثم دخل اليمن في صورة وبائية مريعة .وفي تلك الاثناء انتقل ايضاً من السودان الى السعودية ، حيث وجدت بالفعل حالتان لشلل الاطفال في السعودية ولم تثر قلقاً واسعاً لان نسبة التطعيم الروتيني فيها عالية جداً ، وهذا بدوره عمل على الحد من اتخاذ امراض الشكل الوبائي الذي عهدناه في بلادنا ، انما جرى التعامل بعد التعرف على وجود حالتي اصابة بتطعيم الاطفال المحيطين بالمنطقة التي ظهر فيها المرض ، وبالتالي انتهت ببساطة المشكلة هناك .ومع كل ما كان من انتشار لحالات شلل الاطفال في البلاد بدء في محافظة الحديدة ثم في كثير من محافظات الجمهورية ، الا ان الجهود المتواصلة والمكثفة لوزارة الصحة العامة والسكان بمساندة من منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف ، وعبر تنفيذها المتتابع لجولات وحملات تحصين موسعة في عموم المحافظات ، مكن البلاد بالفعل من الخروج من هذه المحنة العظيمة وانهاء هذا الوباء في اقرب واقصر وقت ممكن .فالمعروف عن الوباء وفق معايير منظمة الصحة العالمية انه ينتهي بالعمل الجاد في ثلاثمائة يوم ، في حين انتهى من اليمن في غضون مائة وخمسين يوماً ، وهي نصف المدة المتعارف عليها دولياً وتعكس الجهود المضاعفة التي بذلت لفرض السيطرة والقضاء على الوباء .ومع كل ما تحقق فان فرق التحصين مع الاسف تواجه صداً واصراراً على الرفض من وقت لآخر من بعض الآباء والامهات لتطعيم ابنائهم اثناء جولات حملة التحصين الوطنية الموسعة الروتينية ضد امراض الطفولة القاتلة ، غير مدركين ان الرفض هذا نتيجته وخيمة تبقي الطفل او مجموعة الاطفال المحرومين من التطعيم عرضة للاصابة بأي من امراض الطفولة التي يمكن الوقاية منها بالتطعيم حتى ان حالة واحدة تكفي لنقل العدوى بين بقية الاطفال غير المحصنين .لا صحة للشائعاتمن ضمن ما يتردد من شائعات تؤثر سلباً على التحصين الروتيني ، بل والمسؤولة اصلاً عن انتشار الاصابة بشلل الاطفال في البلاد ما يشاع من ان اللقاح هو من يصيب الطفل بالشلل او انه يسبب العقم وانه معمول في دول اجنبية لها اغراض تدميرية .. الخ ، والواقع ان اللقاح هو ذات الذي يستعمل في جميع انحاء العالم ولم يخص لليمن ولا لأي دول اخرى عربية او اسلامية .والآخذين بالرفض من ناحية دينية اقول لهم صحيح ان العالم اذا اخطأ فله اجر ، الا ان عندنا امر في القرآن الكريم واضح وصريح ، يقول المولى عز وجل : « فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون » ، واهل الذكر في هذا هم الاطباء ، فالطبيب المسلم الثقة هو من يؤخذ بعلمه لاصدار فتوى في هذه الامور ، ولو افتى الشيخ وجب عليه ان يسأل الطبيب .واساساً كل ما سبق من فتاوى في التاريخ الاسلامي للحضارة الاسلامية في المسائل الطبية ، بنيت على آراء الاطباء .. في ذلك الوقت .اما من يستشهد بفتاوى الشيخ / بن باز / رحمه اللَّه وهو من السعودية ، فالمعروف ان السعودية تطعم الاطفال وان نسبة التغطية بجرعات التحصين الروتيني فيها جداً عالية ، فكيف اذن يزاود بهذا الامر ، وعلى من ؟التحصين .. لا بديلالكل يعرف ان الاطفال هم فلذات الاكباد ، ولا مكان للفشل في حماية اطفالنا ، فهم المستقبل ولابد لنا من بذل كل جهد ممكن من اجلهم وعلى الآباء والامهات ان يطعموا اطفالهم تحت سن العام بجرعات التحصين الروتيني المعتاد وان يلتزموا بمواعيده المحددة في الكرت الخاص بالجرعات ؛ كذلك يلزم تطعيم جميع الاطفال دون الخمسة اعوام ، ايام جولات وحملات التحصين ضد شلل الاطفال ، فهذه مسؤولية والتقصير فيها معناه ارتفاع نسبة وفيات الاطفال في بلادنا وتزايد عدد حالات الاعاقات والتشوهات وتردي اوضاع الصحة بشكل سيء وخطير .ونقول للآباء والامهات اذا انتم اهملتم تطعيم ابنائكم فأنتم لاهمالكم هذا محاسبون امام اللَّه سبحانه وتعالى لانكم تضيعون الامانة التي وضعها بين ايديكم لو اصيبوا بأذى جراء هذا الاهمال بدلاً من ان تصونوها وتحرصوا عليها ، وهذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول فيمن يسلم من يعول الى الضياع : « كفى بالمرء اثماً ان يضيع من يعول » .في الختام .. نقول لكل من يمنع طفله من التحصين بأنه بهذا التصرف خاسر لا محالة ومقصر في احدى الواجبات الرئيسة الملقاة على عاتقه .. انها مسؤولية سيوقن بها عاجلاً ام آجلاً كل من اهدرها ، ولن تنكرها ضمائر من اصيب اطفاله بمرض شلل الاطفال .فكفانا ، كفانا انقياداً وراء شائعات هي في حقيقتها محض افتراءات جائرة غرضها النيل من حاضر ومستقبل اطفالنا وتبديد الآمال الواعدة لهم بالخير ودوام العافية .المركز الوطني للتثقيف والاعلام الصحي والسكاني في وزارة الصحة العامة والسكان
الحكمة من تحصين الأطفال ضد شلل الاطفال
أخبار متعلقة