مع الأحداث
الضمير لا يولد مع الطفل بمجرد ميلاده وخروجه إلى النور،بل ينمو هذا الضمير عند الطفل بالثواب والعقاب كعامل أساسي من عوامل التربية والتنشئة الاجتماعية بمفهوم علم النفس التربوي إذ تبدأ عملية نمو الضمير في السنة الثانية من عمر الطفل،عندما يكتسب تحريم أفعال معينة مثل(لا تقترب من الكتب)(لا تفتح الدولاب)...إلى آخره من التحريمات التي يتلقاها الطفل تدريجياً.ومع تقدم السن لا يقتصر الضمير على تلك الأوامر والنواهي البسيطة بل يتسع ليشمل معايير أكثر تعميماً،ليشمل عما يجب فعله وما لا يجب ،فلا يكتفي الطفل بالعزوف عن ضرب أخيه الأصغر- مثلاً- ولكن يتجاوز ذلك بأن يسلك تجاهه بطريقة عطوفة،حانية بشكل عام،بل أكثر من ذلك قد يتعلم الطفل أيضاً أن يكون(أميناً)و(مطيعاً)لا يكذب ولا يسرق يحترم حقوق الآخرين ومصالحهم،وهكذا.ويعتمد هذا النعيم بالطبع على نمو القدرات المعرفية للطفل،بحيث أنه كلما أصبح الطفل قادراً على الفهم والاستيعاب بدرجة أكبر،فإن معايير سلوكه تصبح أكثر ميلاً إلى تجاوز التحريمات البسيطة مثلاً(لا تضرب أخاك الأصغر)ويصبح الطفل أشد وعياً بالتطبيقات الأعم للمعايير والقيم الخلقية،مدركاً مثلاً أن(معظم الكائنات الحية تستحق منا أن نعاملها برفق)أن مجرد معرفة الطفل بهذه المعايير لا تعني بالضرورة أنه يتصرف بمقتضاها ذلك أن التزام الطفل بمعايير الخلقية إنما يعتمد على عوامل التوحد مع قدرة لها نفس المعايير وملتزمة ولها مقدرا احتفال إثارة الشعور بالذنب عند مخالفة هذه المعايير.ولا شك أن تبنى الطفل لقيم ومعايير الوالدين يعتمد على مقدار الدفء والحب الذين يحاط بهما في علاقته بوالديه،ولهذا يكون حريصاً على الاحتفاظ بهذه العلاقة،والحفاظ علىبالمعاييره السلوكية وهكذا تتضح أهمية شعور الطفل من فقدان الحب(كعامل آخر من العوامل التي يتضمنها نمو الضمير ونستخلص مما تقدم ذكره،أن الضمير ينمو مع الإنسان منذ الصغر حتى الكبر بالتنشئة الاجتماعية وذلك باستخدام طريقة(الثواب والعقاب)والإنسان بغريز ته الطبيعة لو فقد الضمير في نفسه،وفقد الروادع التي تردع أفعاله القبيحة وسلوكياته المشينة المخالفة لقيم ومعايير السلوك الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع،لا صبح حيواناً متوحشاً،متحجر القلب،ومتبلد المشاعر الإنسانية،التي لا يهمه الفضائل ولا القيم الإنسانية والمعايير الأخلاقية في السلوك الاجتماعي،بقدر ما تستهويه مصلحته الأنانية الضيقة في كيفية اصطياد ضحاياه من البشر،ولهذا يصبح في هذه الحالة لا فرق بينه وبين أي حيوان مفترس.فالأسد لو اصطاد إنساناً وأكله لإشباع جوعه،فلن يوخزه الضمير بما فعل،ولن يفكر بما خلفه وراءه من مآسي لهذا الإنسان المأكول في جوفه،بل لن تهتز مشاعره لهول ما أجرم،لأن الأسد حيوان كبقية الحيوانات المفترسة،ليس له ضمير ولا عقل مثل الإنسان.ترى،أليس مبدأ(الثواب والعقاب)والعمل على تطبيقه في حياتنا الاجتماعية والعملية هو الذي يساعدنا على ردع أفعالنا وسلوكياتنا المشينة،ويصون علاقتنا الإنسانية،ويحيى في نفوسنا الضمائر الإنسانية ويغرس فينا بذور الحب والرأفة والتراحم. والتمسك بالقيم والمعايير الأخلاقية والاجتماعية الفاضلة المتعارف عليها في المجتمع الإنساني فهل استوعبنا معنى ومضمون القوانين النافذة وما تفرضه علينا من عقوبات،إنما تساعد كل مخالف لقواعد السلوك العام في حياة المجتمع بعدم تجاوز حدوده الطبيعة والاعتداء على حقوق الآخرين والصالح العام،حتى يظل نمو الضمير عند الإنسان مستمراً في حياته،لأنه يجد ما يردع تصرفاته وأفعاله المشينة من عقاب يعيده إلى السلوك القويم وتهذيب مشاعره الإنسانية السلمية.وقد صدق الإمام الغزالي حيث قال:(الناس كالبهائم لا يصيرون بشراً إلاّ بالتربية.