جاء الرّجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الوصيّة فقال: ( لاَ تغضب ) صحيح الجامع (7373)ولأنّ الغضب هُوَ فِي أغلب أحيانه ردّة فعل لفعل آخر، ويصحبها مجانبة الصّواب حتّى لَوْ كَانَ معه الحقّ وإرادة العقاب. فلعلّه فِي حكمه هَذَا يقع فِي الغلوّ فيؤدّي بِهِ إِلَى الظلم الَّذِي حرّمه الله عَزَّ وَجَلَّ لقوله صلى الله عليه وسلم فِي الحديث القدسي ( يَا عبادي إنّي حرّمت الظلم عَلَى نفسي وجعلته بينكم محرّماً فَلاَ تظالموا ) صحيح الجامع (4345)، ثُمَّ إنّ فورة الغضب توقع الإنسان فيما لاَ تحمد عقباه ولذلك لمّا استبّ رجلان أمام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأحدهما قَدْ احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه فقال عَلَيهِ الصّلاة السّلام: ( إنّي لأعلم كلمة لَوْ قالها لذهب عَنْهُ مَا يجد، لَوْ قَالَ: أعوذ باللهِ من الشّيطان الرّجيم ذهب عَنْهُ مَا يجد )مختصر صحيح مسلم (1792) فلمّا نقل لَهُ قول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَتْ ردّة الفعل عنده سريعة وقويّة فقال: أمجنون تراني؟ ولذلك كَانَ لاَ بدّ لهذا الدّاء من علاج، وأن يكون الإنسان مستعدّاً لَهُ، وليس وليد السّاعة حتّى لاَ يقع فِي معصية أَوْ ظلم، فكانت تِلْكَ الكليّة العظيمة فِي رمضان الَّتِي يكون جوابها حاضر وفعلها متوافر ( الصّيام جنّة، وَإِذَا كَانَ أحدكم صائماً فَلاَ يرفث، وَلاَ يجهل، وإن امرؤ قاتله أَوْ شاتمه فليقل: أنّي صائم، أنّي صائم ) صحيح الجامع (3877) وهكذا يلوذ بالله عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ يكون عنده ردّة فعل، بل يقف عَلَى ساحل الخير الَّذِي فِيهِ الرّحمة والمحبّة من الله عَزَّ وَجَلَّ لَهُ لأنّ هَذِهِ الخصال يحبّها الله عَزَّ وَجَلَّ، وهذا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يمتدح الحلم فِي أشج بني عبد قيس فقال: ( يَا أشج! إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم التؤدة ) صحيح الجامع (7848)، وبذلك تكون من الَّذِينَ ذكرهم الله فِي كتابه (( والكاظمين الغيظ والعافين عَنْ النَّاس والله يحبّ المحسنين )) [آل عمران: 134]، فكن عَلَى طريق أولئك الَّذِينَ لاَ يغضبون لأنفسهم بل يتسامحون مَعَ النَّاس حتّى وإن كَانَ الخطأ والغبن عليهم، ليكون لهم الأجر عِنْدَ الله (( وَلاَ تستوي الحسنة وَلاَ السّيئة ادفع بالتي هِيَ أحسن فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم وَمَا يلقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صبروا وَمَا يلقّاها إِلاَّ ذو حظّ عظيم )) [فصّلت: 34]، فعليك أَنْ تحمل هَذَا الخلق بَعْدَ رمضان ليصبح فيك سجيّة، وهذا لاَ يأتي بيوم وليلة ولكن بالتّدبّر والمجاهدة. والله المستعان.
الحِلم
أخبار متعلقة