القاهرة/14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية:ظل البحث الجنائي معتمداً علي طرق الأدلة الجنائية التقليدية ، والتي من أبرزها بصمات أصابع اليد التي تعد أكثر الأدلة المتعامل بها حتي وقت قريب بالإضافة إلي التحليل الكيميائي للدم وبعض الأعضاء البشرية كالشعر والجلد والخلايا وعلي الرغم من تحقيق هذه الطرق لنجاحات كبيرة في الكشف عن الجريمة ومرتكبيها إلا أن الطب الشرعي ظل عاجزاً أمام عدد كبير من الجرائم والقضايا التي يصعب التوصل إليها عبر أي من هذه الطرق حتي عام 1948 حينما توصل عالم الوراثة د. إليك جيفري إلي الكشف عن التسلسل الخاص بالقواعد النيتروجينية المكونة لجزيء الحامض النووي DNA الذي عرف فيما بعد بالبصمة الوراثية والتي ساعدت في الكشف عن الكثير من الأسرار الجنائية وفضحت أكاذيب المجرمين.وأطلق علي هذا التحليل أيضاً اسم (المطبعة الكويتية)لأنه عند انقسام الخلايا البشرية وتكاثرها بسرعة كبيرة فإن الحمض النووي يتكاثر أيضاً ليعطي صوراً طبق الأصل له بها كل المعلومات التي يحملها لنقلها إلي الخلايا الجديدة ومنذ ذلك العام اصبحت البصمة الوراثية هي الدليل الفعال للكشف عن هوية الأشخاص بدقة متناهية سواء كانوا من المجرمين أو الضحايا في الأعمال الجنائية، والتأكد من صحة نسب الأبناء غير الشرعيين في قضايا الاغتصاب أو الزنا، أو ادعاء امرأة بأن طفلاً لها يخص شخصاً معيناً لإجباره علي الزواج منها، أو طمعاً في ميراث، وفي قضايا تبادل المواليد في المستشفيات خطأ أو عمد، ومهمة الطب الشرعي تحديد النتائج الصحيحة والأشخاص الحقيقيين في مختلف هذه القضايا. ولأن كل أسرار خلايا الإنسان توضع علي هذا الحمض الضئيل الحجم فهو مسؤول عن نقل الصفات الوراثية المبرمجة عليه عبر الأجيال بكل أمانة محققاً التفرد والتميز لكل جنس من الأجناس البشرية، بل وكل إنسان علي حدة ببصمته الخاصة التي لا تتشابه أبداً مع أي إنسان آخر، ذلك أن الحمض النووي يوجد في أنوية الخلايا في صورة كروموزومات مشكلاً وحدة البناء الأساسي لها، والمعلومات أو الصفات الوراثية الخاصة بكل كائن حي مستقرة علي جزيء الحمض بصورة شفرية مبرمجة ومقدرة منذ بداية تكوينه,[c1] احتمال التشابه غير واردة[/c]وتحتوي الأنوية علي 32 زوجاً من الكروموزومات منها 22 زوجاً متماثلة في الذكر والأنثي، وزوج واحد يسمي الكروموزوم الجنسي يختلف في الذكر حيث يرمز له بالحرفين XY عن الأنثي ويرمز له بالحرفين XX.وتشير المعلومات التحليلية إلي أن سيطرة الحمض النووي علي نشاط الخلية تخلق آلية معينة لإبلاغ أوامره إلي أي جزء من الخلية دون أن يتحرك من مكانه، فيقوم بصنع حمض نووي آخر يسمي الحمض النووي الرايبوزي يرمز له بالحروف RNA ينقل إليه المعلومات الوراثية بالترتيب والتسلسل كما هي عليه ليبلغها إلي الخلية لتقوم بنشاطها منذ تكوين الجنين فتحدد الصفات الوراثية لهذا الإنسان، بصماته وفصيلة دمه ونوع أنزيماته ولون بشرته وعينيه.وتتميز البصمة الوراثية بأنها دليل إثبات ونفي قاطع بنسبة مائة بالمائة إذا تم تحليل الحمض بطريقة سليمة، حيث إن احتمال التشابه بين البشر في الحمض النووي غير وارد بعكس فصائل الدم التي تعتبر وسيلة نفي فقط لاحتمال التشابه بين البشر في هذه الفصائل، ويمكن أخذ البصمة من أي مخلفات آدمية سائلة مثل الدم، اللعاب، المني أو أنسجة لحم، عظم، جلد، شعر وهذه الميزة تغني عن عدم وجود آثار لبصمات الأصابع للمجرمين في مسرح الجريمة، وهو يقاوم عوامل التحلل والتعفن والعوامل المناخية المختلفة من حرارة وبرودة ورطوبة وجفاف لفترات طويلة، حتي إنه يمكن الحصول علي البصمة من الآثار القديمة والحديثة، ومن الميزات المهمة أن بصمة الحمض النووي تظهر علي شكل خطوط عريضة تسهل قراءتها والتعرف عليها وحفظها وتخزينها في الحاسب الآلي للمقارنة عند الحاجة بعكس بصمات الأصابع التي لا يمكن حفظها في الحاسب لفترات طويلة
الـ DNA انجاز علمى ضد الجريمة الكاملة
[c1]بنوك الحامض النووي[/c]ومن هذا المنطلق ومن أجل توفير ملفات أمنية متكاملة تتيح الحصول علي المعلومات في مختلف الأوقات وحل تعقيدات الجرائم التي تحدث بدأت العديد من الدول في إنشاء بنوك لقواعد معلومات تستند علي الحمض النووي كأساس للتعريف لجميع مواطنيها، مع إنشاء قسم خاص في البنك للمشتبه بهم في مختلف القضايا ليكون دليلاً للعودة إليه عند حدوث حالة اشتباه. وتلجأ الأجهزة الأمنية حالياً إلي أخذ العينات التي تحتوي علي الحمض النووي من مسرح الجريمة أو الحادث وهي كما ذكرنا أي شيء من مخلفات المجرم والضحية حيث يتم تحليلها بإضافة مواد كيميائية محددة لإظهار وتقطيع الحمض النووي الموجود علي الكروموزومات داخل نواة الخلية، ثم يتم تكبير المادة الوراثية والحمض النووي ملايين المرات بالطرق الحديثة المتوفرة الآن وتفرد علي غشاء خاص لتظهر الخطوط والمسافات بينها بوضوح وتكون البصمة المحددة للشخص وبمثابة الهوية الوحيدة المعرفة به.ومع التوسع الكبير في استخدام البصمة الوراثية للحمض النووي في العديد من القضايا أخذ الاهتمام بهذا الجانب يتطور بسرعة للحصول علي أفضل النتائج في أقصر وقت، بحيث لا يتاح للمجرمين الفرصة للابتعاد كثيراً عن مسرح الجريمة أو الهروب، مع أن البصمة الوراثية لا تترك مجالاً لعدم معرفة الجاني عند توفر قاعدة معلومات تحتوي عي البصمات الوراثية للمشبوهين. ولعبت البصمة الوراثية للحمض النووي دوراً مهماً لحل إلغاز قضايا التعرف علي المجرم من خلال تحديد شخصية صاحب الدم في جرائم القتل، وصاحب المني والشعر والجلد في جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وصاحب اللعاب علي بقايا المأكولات وأعقاب السجائر في جرائم السرقة، والموجودة علي أغلفة الرسائل وطوابع البريد في جرائم التهديد والإبتزاز والطرود الملغومة والاختطاف، وكذلك تحليل الإنسان والعظام للتعرف علي الأشخاص حيث يتم الكشف علي نوعية الجاني إن كان ذكراً أو أنثي وكذلك تحديد شخصيته، لتحدث البصمة الوراثية طفرة في مجال الأدلة الجنائية وكشف الجرائم. ولقد فتح هذا الكشف العظيم المجال للعلماء للاجتهاد للتوصل إلي إمكانية تحديد طبيعة الشخصية وميولها وما يمكن أن يعانيه من اضطرابات من خلال التركيز علي بعض الجوانب في تحليل الحمض النووي، وهذا يفتح الأبواب واسعة أمام تقدم علمي كبير في هذا المجال يسهم في تحقيق الأمن وتوفير السلام في المجتمعات الإنسانية.
الاهرامات
[c1] أغراض طبية[/c]وعن هذا الإنجاز العلمي الكبير يقول د· كمال السعدني - كبير الأطباء بمحصلة الطب الشرعي - إن هذا الإنجاز العلمي الذي حدث في عام 1984 علي يد احد العلماء الأجانب حصل علي جائزة نوبل ولكن عمليات التطبيق لم تبدأ إلا في الثمانينيات وفي مصر بدأت منذ عام 1992 حيث بدأ استخدامه في مجال القضايا·· وخاصة قضايا إثبات البنوة والاغتصاب لتحديد شخصية المغتصب·· وفي التعرف علي أصحاب الجثث المجهولة في الحوادث·· وكذلك يستخدم في أغراض طبية مثل تحليلات توافق الأنسجة لمرضي زراعة الأعضاء وتحليلات الكشف عن الفيروسات.وأضاف د. السعدني أن من أهم عيوب تحليل الحامض النووي أنه مكلف لاعتماده علي أجهزة باهظة الثمن وتستخدم في تشغيلها أمصال مستوردة وكذلك قد يكون التحليل غير دقيق بالكامل، عندما يتم فحص عينات مختلفة علي طاولة واحدة في المعمل نفسه، أو عند تلوث العينة المأخوذة بسبب ما ، وفي كل الأحوال لا يمكن الشك مطلقاً في مدي نجاح الاعتماد علي الحمض النووي كوسيلة سليمة ومضمونة النتائج للوصول إلي حل للكثير من الجرائم المعقدة من خلال التعرف علي شخصيات مرتكبيها والمجني عليهم وأيضاً إلي معرفة أصحاب الجثث المتحللة ومجهولي الهوية.وتقول د. اكرام عبد السلام أستاذ الوراثة بطب قصر العيني إن الحامض النووي هو المادة التي تتكون منها الكروموسومات التي تحمل الصفات الوراثية للإنسان من الأبوين وبتحليله يمكن معرفة الصفات الوراثية التي اكتسبها الإنسان من أبيه وأمه فكل إنسان يكتسب نصف صفاته من الأب ونصفها من الأم وبالتالي يشترك الابن مع ابيه وأمه في العديد من صفات الحامض النووي كذلك أيضاً مع إخوته وكلما بعدت درجة القرابة انخفضت نسبة التشابه ولكن تبقي هناك صفات مشتركة في التحليل تربط بين أفراد العائلة الواحدة· ويتم التحليل عن طريق تكبير مكونات الحامض أولاً بواسطة جهاز PCR ثم تحليله بأجهزة خاصة لمعرفة مكوناته الدقيقة. [c1]وسائل الإثبات[/c]ويؤكد د. عبدالحي عزب الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن الحمض النووي من الوسائل المهمة التي يمكن الاعتماد عليه كوسيلة لفض النزاع والخلاف حول إثبات النسب من عدمه وحل الإشكال القضائي المترتب بسبب انتشار الزواج العرفي بين الشباب والفتيات أو بين كبار السن أنفسهم ، ويجب أن يوثق تحليل الحمض النووي بوسائل الإثبات الأخري مثل الإقرار أوالشهادة ولا يكون الأخذ به مطلقاً حتي لا يسيء البعض استعماله والادعاء علي الشرفاء بنسب أطفال لا يمتون لهم بصلة وتقبل دعواهم ثم تفحص قانونياً ويتم فحص المدعي عليه طبياً ويتبين كذب ذلك. ويضيف : يجب ألا تقبل أية دعوي إلا بوجه يدعم صحة ما يراد بها إضافة لوضع تشريع قانوني يلزم القاضي بالسرية التامة وعدم الإفصاح عن أية بيانات تصل إليه في دعوي إثبات النسب حتي يتم الفصل فيها بصفة نهائية وأن يكون هناك جزاء قانوني لمن يخالف ذلك اعتماداً علي الأصل الشرعي الذي يقضي بمبدأ البراءة الأصلية ويقول إن الأصل في المسلم أنه ملتزم ولا يرتكب جرماً علي الإطلاق ويدل القانون علي ذات المعنى بقاعدة المتهم بريء حتي تثبت إدانته. د· زاهي حواس رئيس المجلس الأعلي للآثار يقول لقد استخدم هذا التحليل في كشف أكاذيب الادعاءات اليهودية التي حاولت أن تقنع العالم بأن اليهود هم بناة الأهرام·· فحينما اكتشفنا مقابر بناة الأهرام·· قمنا بتحليل الحامض النووي للعظام الموجودة في هذه المقابر وهي عظام العمال الذين قاموا ببناء الأهرام·· وأثبت التحليل أنها عظام مصريين وأنها لا علاقة لها باليهود إطلاقاً·· وقد كان دليلاً مهماً فضح الأكاذيب اليهودية أمام العالم كله· لأنه اعتمد علي تحليل علمي دقيق نسبة نجاحه مؤكدة. ومن الأدوار التاريخية المهمة أيضاً لهذا التحليل·· استخدامه في الكشف عن حقيقة مومياء تم العثور عليها بالأقصر حيث أعلنت باحثة انجليزية أنها مومياء نفرتيتي لكن الحامض النووي أكد أنها مومياء رجل· ولقد تم إجراء جميع هذه التحليلات في مراكز مصرية وبخبراء مصريين وأجهزة مصرية·· وننتظر أن يلعب هذا التحليل الخطير أدواراً أخري عديدة في الكشف عن المزيد من أسرار تاريخنا القديم.