أضواء
ولأننا استمرأنا تصدير منبت الداء القاتل في الجسد الإسلامي إلى عوامل المؤامرة والاستعمار والإمبريالية وقوى الاستكبار، ولأن الذي سيبدي كلمته حول انحطاط المسلمين بفعل داخلي، سيلقي الكلمة في معاكسة تيار جارف من العاطفة، ولأننا نرفض الاعتراف بأن جل هزيمتنا من الداخل: الواقع أن أحداً لا يجرؤ على القول، مثلما كان عنوان الكتاب الشهير لبول فندلي منتصف الثمانينات من القرن الماضي.تثبت الحقائق الجوهرية على الأرض أن الوضع على الخريطة الإسلامية هو ذات الوضع الذي نشاهده في نشرة الأخبار. خارطة من البلطجة التي لم تعد مجرد خطر على الذات، بل على العالم بأسره. نحن في حالة ـ انحطاط ـ لأسباب من أنفسنا مع بالغ الشكر لتبرير المؤامرة. ودعك من نوافل القول حول وزيرستان وطالبان وكردستان ولكن تأمل الفصل الأخير من مسرحية القراصنة على سواحل الصومال كي تدرك أننا أصبحنا ـ بالبرهان ـ قنبلة ملتهبة لا يمكن للعالم من حولنا أن يترك شظاياها تخنق العالم عبر مضيق مائي حيوي. ثم انظر للمفارقة: فعلى شاشة تلفزيون عروبي يظهر قرصان تائب اعتزل اللعبة، وللمفارقة ما زال حراً طليقاً، ثم يقول: إن الجماعات ـ القرصانية ـ تتعمد الاستيلاء على البواخر بأعداد كبيرة كي تتناوب النوم والاسترخاء، وأكثر من هذا تتناوب الحراسة في وقت أداء الصلاة، وهي رسالة تحذير إلى الداخل من أجل استحلاب التعاطف بمزيد من لهجة ونبرة الخطاب الديني.هؤلاء لا يختطفون فحسب، بل يصلون ويبرهنون أن القرصنة إنما هي جزء من العمل الذي تنفر به طائفة من الذين آمنوا.جمل تكاد تكون ـ بالتناص ـ من خطاب ـ القاعدة ـ باختلاف الآلية ولكن بتطابق الأهداف وعودة إلى السؤال الكبير: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ سيأتي الجواب: خسر العالم الأمن وإلا فما هي الخسارة العلمية أو التقنية التي خسرها هذا العالم بانحطاط المسلمين في عنوان الكتاب الشهير لواحد من أعظم مفكري العالم الإسلامي، أبي الحسن الندوي؟ اليوم، صار كل مسلم، بالشك، قنبلة موقوتة، متهماً حتى يثبت به اليقين ومن كان فيكم يظن أن التهمة ليست بأكثر من مؤامرة فليتفحص جيداً خريطة هذا العالم الإسلامي من الحروب والمنظمات والجماعات كي يكتشف أن بداخلنا فيروساً قاتلاً لا يمكن لنا تبريره بعدوى الغير، بل هي بكتيريا الغيرة. حين هوت بنا المسافة الشاسعة التي تفصلنا عن عالم العصر الحديث لم نجد وسيلة تجبر هذا العالم على الوقوف انتظاراً لنا إلا أن نبث قنبلة من أجل إثبات الوجود. نهدم البرج في ظرف دقائق لأننا نفتقد أبسط أدوات البنيان لأننا لا نتخيل أن يعيش ـ الآخر ـ في الدور الأول بعد المئة فيما نحن في الأدغال والكهوف، نختطف باخرة النقل العملاقة إلى مرسى مجهول لأننا أضعف وأهون من عمل جماعي تقني جبار بنى هذه الناقلة العملاقة بعد سنوات من الأبحاث المكثفة عن الديناميكا والميكانيكا وصرنا على استعداد لنسف كل هذا العمل الهائل بديناميكية قنبلة نلوح بها في اليدين ونهدد بأكبر كارثة بيئية بشرية عرفتها مياه البحار عبر التاريخ. نفجر مترو الأنفاق ونزرع في كل مدينة بالكون خلية نائمة ولأن الكون يقظ يتابع خلايانا فلم تبق لها مساحة مشرعة آمنة للنسف والتفجير إلا داخل مدننا ولهذا استقبلت القاهرة والرياض ومكة المكرمة وإسطنبول وعمان والدار البيضاء وبالي وإسلام أباد وبغداد وشرم الشيخ والدوحة جثث ضحايانا بأيدينا وهذه هي الإجابة على العنوان في رأس أول سطر. هذه هي إجابتنا ما بين التسارع والركود في المعادلة الفيزيائية عطفاً على سؤال الندوي قبل قرن من الزمن وهو يسأل: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟وخلال قرن من الزمان هذا هو قانون ـ التسارع ـ في وجه الركود: ينجز هذا العالم ـ من حولنا ـ في عقد واحد ما كان ينجزه في قرن. ينجز في عام واحد ما كان مستحيلاً على الإنجاز في عقد وينجز في شهر ما كان مشروعاً لعام وينجز في اليوم ما كان متاحاً في شهر. رحلة العالم الأول في مسيرة قرن هي الرحلة من مناجم الفحم إلى الحاسب الآلي ثم إلى تقنية النانو هي رحلته من عصر الحداثة إلى ما بعد الحداثة فيما نحن مجرد قاموس خال من كل تلك المصطلحات. نحن مثل مسمار راكد في جسد آلة هائلة متحركة. نحن خارج معادلة العصر الفيزيائية ولهذا حين فقدنا براءة الاختراع فقدنا بالتالي براءة الشراكة البشرية. بدلاً من المعمل المكشوف اخترنا تشبيك سيارة ناسفة في قبو مغلق. بدلاً من المشاركة في بناء قواعد البرج اخترنا نسفه بعد أن يكتمل البنيان. بدلاً من العمل على تطوير جامعة، شاركنا في تطوير منظمة سرية. بدلاً من عيون يقظة أصبحنا خلايا نائمة. بدلاً من أن ننشر في كل مدينة بالكون باحثاً يشارك في ندوة أو مؤتمر من أجل مستقبل الحياة الإنسانية، زرعنا فرداً يعمل لتجنيد عصابة تدميرية. أعلم أن فيما قلت سوطاً من جلد الذات ولكن: متى نصحو على ذاتنا التي تفضحها حتى نشرات الأخبار بلغتنا الأم. أعلم أن فيما قلت مواجهة لتيار من المشاعر والعواطف التي قد يؤلمها هذا الموقف ولكن: متى تصحو مشاعرنا وعواطفنا على هذه الوقائع وسأختم بالسؤال: من يثبت لي العكس؟[c1] صحيفة “الوطن” السعودية[/c]