قراءة وتلخيص/ شفاء منصر مواطن الجمال في القرآن الكريم كثيرة لاتعد ولاتحصى ولايمكن الاحاطة بها مهما بذلنا من تفكير وقراءة متاملة ولعل الجانب القصصي في كتاب الله العظيم هو اكثر الجوانب كمالاً وجمالاً وروعة " باعتبار اشتمالة على سائر مقومات القوة الفنية في ارقى درجاتها وعلى سائر اسباب التأثير التعبيري " .وقد صدق رب العزة حينما قال جل شأنه في الآية الثانية من سورة . يوسف) : " نحن نقص عليك احسن القصص" والمدهش ان القصص القرآنية قد جمعت في روعة واقتدار باهر بين ( الدين والادب والتاريخ) وذلك التلاقي المدهش بين المجالات الثلاثة كان سبباً من اسباب جمال القصة القرآنية وتفسير هذه الميزة الفريدة للقصص القرآني كما يرى الدكتور ( عبد الجواد المحص) صاحب موسوعة الجمال في القرآن الكريم التي نال عليها جائزة الشيخ الشعراوي عام 2005م يعود الى ان القصص القرآني يخاطب حاسة الوجدان الدينية بلغة الجمال الادبية عارضاً امامنا احداث من التاريخ وصفها منزلها حل شأنه بانها من ( انباء الغيب) التي ماكان يعلمها النبي ولا احد من قومة قبل نزولها فهي اوثق الوثائق التاريخية على مر العصور بالاضافة الى ان اسلوب القصص القرآني يتضمن توجيهات دينية تدعم سائر ماجاءت به الشريعة المحمدية نلمح ذلك ونحسة والكلام مازال ( للمحص) تاتي في طيات هذه القصص"..ولان القصة الفنية في تصوري ليس لها اسس محددة او معايير ثابتة فهي تخضع للاجتهادات الفردية في الاساليب والطرق الكتابية بينما القصة القرآنية لها اسس ومعايير محددة في تقديم الافكار والبراهين الايمانية التي يتناسب منهجها مع غايات القرآن الكريم الدينية فكان الاختلاف بينهما يتمثل في ان القصة القرآنية " كما يرى د. ابراهيم الصعبي تشيع فيها التعليقات التي تلخص مغزى القصة التي تسبق سرد احداث القصة او تلحق السرد او تاتي خلاله لتفسير اسباب تلك الاحداث بما يبررها حتى يكون لها وقعها في النفوس بما يستخدم في التعقيب عليها من اساليب التذكير والوعظ والزجر ومن الامثلة على ذلك طريقة عرض قصة ( أهل الكهف) إذ تلتقي بملخصها في ثلاث آيات ثم يأتي التفصيل..فالقصة القرآنية تحرص على إبراز المغزى في حين لايجوز ذلك في القصة الفنية .. فالقصة القرآنية قصة ايمان وهدفها تربية العقيدة في الوجدان الانساني ولان بعض الناس قد لايستطيع استنتاج العبرة من القصة فكان لابد من ارشاده الى الغرض الذي تجسدة باسلوب يغلب عليه التبسيط احياناً لتوضيح العبرة ليفهمها كل إنسان ولكن هذا لايعني ان القصة القرآنية تأخذ بالتقرير والمباشرة وانما تهتم بالتصوير والتجسيم والاستحضار والايحاء فسورة يوسف من اولها الى آخرها لم تقل شيئاً عن وسامة يوسف عليه السلام لكننا نرى الوسامة الاخاذة في اعين النسوة اللآتي عندما راينه قطعن ايديهن لفرط الذهول من وسامته فحقيقة جمال ووسامة يوسف قدمت لنا مجسمة تكاد تنطق في قوله تعالى : " فلما راينه اكبرنه وقطعن ايديهن وقلن حاشا لله ماهذا بشراً ان هذا الا ملك كريم "..لقد استخدم القرآن الكريم اللغة الادبية في القصص القرآني بغرض التأثير الوجداني كما اسلفنا معتمداً على الدين والادب صنوان في اعماق النفس وعلى ان اشد المواعظ الدينية نفاذاً وتأثيراً ما عرض في اسلوب قصصي جذاب فاستخدم في القصص البدايات المشوقة كما في سورة ( الفيل) وسورة يوسف والقوالب الجديدة التي تعرض من خلالها القصص والاسلوب الموجز والبليغ حينما نتتحدث مثلاً عن قصة ( اصحاب الفيل) فاختصر تلك الواقعة العظيمة في خمس آيات ونجد كذلك التنوع الثري والمدهش في المقدمات كما في سورة الكهف اذ ابتدأت بذكر ملخص كامل لوقائعها وسورة الفيل ايضاً ذكرت نهاية القصة في بدايتها كما امتاز اسلوب القصص القرآني بالدقة في اختيار الكلمات التي تحمل دلالات عميقة وتعبر عن احداث كثيرة باقل عدد من الكلمات كما في كلمة ( تذودان) الواردة في قوله تعالى في سورة القصص : » ولما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ماخطبكما قالتا لانسقى حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ كبير ) فهذه الكلمة بينت ان الفتاتين كانتا تحبسان اغنامهما وتمنعانها من الاختلاط باغنام الآخرين وهذا يعني انهما كانتا تنتظران لضعفهما حتى يخف الزحام فتسيقان اغنامهما لان اغنامهما كانت تريد الذهاب الى مورد الماء مع سائر الماشية فكانتا تمنعانها وهذه الكلمة ساهمت في تخيلنا الموقف والحركة والدوافع النفسية التي تدفعهما للتصرف بهذه الطريقة كل ذلك لخصة القرآن الكريم في كلمة واحدة هي ( تذودان ولاشك ان هذه الكلمة تكشف عن نفسية هؤلاء القوم الذين كان يسيطر عليهم حب الذات وعدم مراعاتهم ضعف هاتين الفتاتين وكبر سن والدهما ولذلك لفت هذا المشهد انتباه موسى عليه السلام واثار تعجبه ولماعرف هذا الامرسقى لهما وهذا يدل على حسن خلقه...ومما يثبت ان القرآن الكريم يميل الى اختيار الالفاظ القليلة ذات المعاني والدلالات الكثيرة اننا نجد قصة قصيرة بليغة مركزة على قوم ( عاد) في الآيات ( 18-20) من سورة القمر :-" كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا ارسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمرة تنزع الناس كانهم اعجاز نخل منقعر" فهذه الآيات القصيرة تحدثنا عن تكذيب قوم عاد، والعذاب الذي حل بهم نتيجة لتكذيبهم .. بالفاظ قليلة بليغة ومركزة تبين لنا امتياز القصص القرآني بتنوع الصيغ التي كان يقدم من خلالها الانذار للاقوام التي تستحق العذاب بعد استنفاد وسائل الاصلاح كلها وقد حدثتنا سورة ( هود) عن صيغ الانذار التي وردت على لسان نوح وهود ولوط وصالح وشعيب عليهم السلام وعند قراءتنا لصيغ الانذار نلاحظ المضمون نفسه ولكن الشكل الفني الذي قدم من خلاله كان يختلف باختلاف القوم..المراجع :د. عبد الجواد المحص: موسوعة الجمال في القرآن الكريمد.ابراهيم الصعبي : القصة في القرآن الكريم " الخصائص والدلالات".
|
ثقافة
الجمال في أسلوب القصص القراني
أخبار متعلقة