القاهرة/14أكتوبر/وكالة الصحافة العربية : من نعم الله تعالى على الإنسان أنه جعل في تكوينه الجسدي ساعة بيولوجية تتحكم في ساعات نومه ويقظته، فالإنسان عندما يشعر بالاجهاد الشديد، أول مسكن لإجهاده هو النوم، ومن ثم فهذه الوظيفة البيولوجية لا يمكن أن يستغني عنها الإنسان مهما أوتي من قوة بدنية، ليس هذا فحسب، بل يعد النوم آلية طبيعية يركن إليها الإنسان لكي يجدد نشاطه، فالمعروف أن يوم الإنسان ليل ونهار، في النهار يكون العمل والكد، ثم يأتي الليل ليكون النوم والسكون.. هي حكمة الله تعالي في خلقه.فالنوم حاجة فطرية للإنسان، يستعيد فيها نشاطه وحيويته، ويجدد قدراته العقلية والنفسية، وهو يمثل إحدى الوظائف الأساسية لدىالإنسان، وهناك علاقة بين ساعات النوم المناسبة للإنسان والعمر، فالوليد ينام 20 ساعة، أما البالغ فيحتاج من 8-7 ساعات، وأفضل أوقات النوم هي أوقات الليل.. والطفل يبدأ النوم منذ الأسابيع الأولى من العمر، وبعد هذا تزول غفوة الصباح تدريجيًا، وبعد خمس سنوات تزول غفوة بعد الظهر ويصبح النوم فترة واحدة بالليل، وقد ثبت هذا علميًا وبالتجربة.وبصفة عامة، يقضي الفرد ثلث سنوات حياته نومًا، وعملية النوم مكونة من مراحل عدة، أولها الاسترخاء أو مرحلة التحضير للنوم وفيها يقوم الدماغ بإرسال موجات خاصة إلى الجسم استعدادًا للنوم، وخلال هذه المرحلة تبطىء ضربات القلب وينخفض ضغط الدم مع التنفس البطيء والمنتظم، وعندما يصل الإنسان إلى المرحلة الأخيرة وهي النوم العميق، يقوم الجسم بإنتاج هرمون النمو الذي يقوم بدورة مع عوامل أخري ببناء الجسم، وإصلاح الخلايا وتقوية العضلات والعظام، ولذلك فإن الشعور بالارتياح يرجع جزئيًا إلى عمل هرمونات النمو بطاقتها الكاملة.. وقد تبين أن معظم الهرمونات في جسم الإنسان تبدأ إفرازها في دورة النوم ليلاً، وأيضًا اليقظة صباحًا والأمثلة علي ذلك كثيرة ومهمة جدًا، منها أن الهرمون المسؤول عن النمو يزداد إفرازه في أول ساعتين من النوم الليلي، وأيضًا فإن الهرمونات التي تحث الغدة الكظرية والغدة الدرقية على الإفراز تعمل في المراحل الأخيرة من النوم الليلي.وتبين أيضًا أن البلوغ يبدأ بارتفاع الهرمونات الجنسية أثناء الليل، لأن الظلام والهدوء يحثان على إفراز الغدة التناسلية، وتأكد ذلك بعد معرفتنا الدقيقة للغدة الصنوبرية الموجودة داخل الدماغ، وهي تعمل كساعة منبهة ومنظمة تخضع مباشرة للضوء بإرسالها إشارات دائمة مؤثرة على الغدد التناسلية والدرقية، وعلى سلوك الإنسان وتخطيط دماغه ، لكن مازالت مشكلة إضطرابات النوم تواجه العديد من الناس سواء كبار السن أو الأطفال أو متوسطي العمر.يقول د. عز الدين محمود -إستشاري الأمراض الباطنية والغدد الصماء: إن اضطرابات النوم تحدث في حوالي 52 % بعد سن الستين، رغم أن المسنين يحتاجون لعدد ساعات النوم نفسها تقريبًا، ولكن مع تقدم السن يكون نومهم متقطعًا، ويعوضون ذلك بالنوم نهارًا في أغلب الأحيان، وهذه ظاهرة طبيعية.[c1]أساسي وفسيولوجي[/c]ويرجع د. عز الدين اضطرابات النوم إلي سببين: الأول إختلال أساسي في النوم، ويكون هذا من دون سبب واضح، ولكن لا يشكل أكثر من 51 % من الحالات ، والأمر الثاني هو الاختلال الثانوي وينتج عن أسباب منها الأمراض العضوية، مثل السعال والربو وأمراض القلب أو البروستاتا ومشاكل التبول وطنين الأذن وفقدان الذاكرة وغيرها.أما الأسباب الفسيولوجية، فهي مهمة للغاية ومنها تناول العشاء في وقت متأخر أو بذل جهد بدني ليلاً أو الإزعاج..وهناك أيضًا أسباب نفسية مثل القلق والإكتئاب وخلافه.. إلى جانب أن بعض العادات السيئة تؤدي إلى هذا الإضطراب مثل شرب القهوة والشاي والتدخين، وتعاطي بعض العقاقير المنشطة.أما عن إضطرابات النوم عند الأطفال، فيعبر عنها الطفل الصغير من الرعب والصراخ، وغالبًا يكون غير قادر على تمييز والديه ومحيطه العائلي، وهو في هذه الحالة، وهذه الإضطرابات تكون في الغالب بين سن الرابعة والسابعة..أما الكوابيس الليلية فهي أحلام مزعجة توقظ الطفل بحالة من الخوف والذعر الشديدين، وتكثر عمومًا بين الثامنة والعاشرة من العمر.. والمشي أثناء النوم عادة ما يكون بين 14-11 سنة، حيث يستيقظ الطفل من سريره ويمشي ولا يتذكر ذلك في الصباح، ويكون أثناء مشيه غارقًا في نومه، ومن المحتمل أن يكون سببه قلق الطفل المفرط من تجارب ماضيه العالقة بذاكرته.أما الشلل النومي، فهو حالة تستيقظ فيها الجملة العصبية من دون العضلات، فينجم عن ذلك أوامر بحركة العضلات التي لا تستجيب، فلا يستطيع الطفل فتح أجفانه أو تحريك يديه ويبقى هكذا لبعض الوقت مع شعور بالانزعاج ثم يستيقظ. ويجمع أطباء الأطفال على أن اضطرابات النوم شائعة عند الأطفال ذاتها قد تكون مجرد مشاكل عابره أو اعتيادية، كما أنها قد تكون تعبيرًا عن الألم لأي سبب.[c1]حياة عصرية[/c]الأبحاث تشير إلى أننا اليوم ننال قسطًا من النوم يقل بحوالي 90 دقيقة عما كان أسلافنا من قرن مضي ينالونه، وتؤكد دراسات المؤسسة القومية الأمريكية للنوم أن 64 % من الناس اليوم ينالون أقل من ثماني ساعات نوم يوميًا، و23 % ينالون أقل من ست ساعات.. وهذا يعود إلى التغيير في شكل الحياة والاهتمامات، حيث إن المنافسة في الاقتصاد العالمي تجعل أسواق المال مفتوحة طوال ساعات اليوم، ولذلك فإن معظم سكان العالم لا ينالون القسط اللازم من النوم.والدراسات تحذر من أن قلة النوم ستجعل الإنسان أكثر (غباء) والعلاقات الطردية بين قلة النوم وإنخفاض مستوي الأداء العقلي والذهني ثابتة بأكثر من 60 دراسة علمية حتى الآن.. حيث إن فقد ساعة واحدة من ساعات النوم المفترضة -وهي 8 ساعات يوميًا- لمدة ليلة واحدة يؤدي لنقص درجة واحدة في نتيجة اختبار الذكاء المعروف tQ ثم ينقص بعدها درجتين لكل ساعة أخرى مفقودة. وتتراكم العملية وهكذا فإنك إذ غشيت في النوم، مقتطعًا ساعتين كل ليلة لمدة خمسة أيام، فستفقد حوالي 15 درجة في الإختبار، وبحلول اليوم السابع تكون قد وصلت إلى درجة الإعاقة الذهنية تقريبًا. وتظهر عليك أعراض (غباء قلة النوم) وهي ضعف الذاكرة أو فقدانها لمدة قصيرة..في بعض الحالات المتعلقة بالأحداث اليومية والتفاصيل، مثل وضع قلم أو دفتر وعدم القدرة على التفكير المرن، وتحول الحديث إلى الأكليشيهات المحفوظة بدلاً من الابتكار في التعبير، وفقد القدرة على الاحتفاظ بالأمور المعقدة في الذهن أو التصرف فيها بالتعقل الواجب، وعدم الحصول على قسط كاف من النوم، يؤدي لنتائج مخيفة مثل نتائج التدخين وشرب الكحوليات، فهي تصبح مؤشرًا ينبئ بتدهور الحالة الصحية العامة والوفاة المبكرة، غالبًا بسبب ارتفاع ضغط الدم أو مشاكل القلب والكوليسترول.. ودليل ذلك دراسة أثبتت ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب بين الرجال اليونانيين الذين تخلوا عن نوم القيلولة المعروف والمقدس عند سكان بعض دول أوروبا مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا.. وقلة النوم تؤثر على الصحة عمليًا، من حيث علاقة النوم بالجهاز المناعي.. والأبحاث التي أجريت في هذا المضمار تعطي نتائج تبدو متناقضة، فتشير بعضها إلي أن النقص المعتدل في ساعات النوم الطبيعية لبعض المتطوعين في البحث المعملي أدي إلي تحفيز زيادة دفاعات الأجسام المضادة لديهم، مما يؤدي لزيادة يقظة أجهزتهم المناعية، كما لو كان الجسم معرضًا للهجوم بالفعل، وهذا بالطبع يناقض الفكرة الشائعة والتي تؤكد أن قلة النوم تجعل الإنسان أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد وإلتهابات الجهاز التنفسي.وقد تكون الأسباب أن تلك الدراسات التي أجريت داخل المعمل، جعلت هؤلاء المتطوعين بمعزل عن التوتر والضغوط والفيروسات الموجودة في الواقع، وفي حالة الإصابة الفيروسية فإننا نعرف أن الجسم يتكيف ويعدل من نفسه ليزيد مساحة مرحلة النوم العميق، والتي ثبت أنها تحفز إنتاج الأجسام المضادة ورد فعل الجهاز المناعي.[c1]نوم عميق[/c]كما يعتبر التوتر والضغط العصبي المصاحب بالضرورة لحالات قلة النوم المزمنة من أهم العوامل المؤثرة في صحة الإنسان.. وفي عام «1953» تم اكتشاف أن مرحلة النوم العميق قصيرة الموجة وتحدث في النصف الأول من الليل غالبًا، وبالتبادل مع مرحلة حركة العين السريعة والتي تحدث أثناءها الأحلام، ومن هذا الاكتشاف تم التوصل للحبوب المنومة لمعالجة الأرق، ومن المعروف أن الأقراص المنومة لا تجعل الإنسان ينام نومًا عميقًا، بل إنها تعطي الشخص إيحاء بأنه في سبيله لنوم عميق أو أنه استيقظ لتوه من نوم عميق، ولكنها لا تؤدي إلى تحسين نوعية النوم، لأنها ببساطة لا تضع سوي مجرد قناع على المشكلة الحقيقية.والاكتشافات الجديدة في مجال أبحاث النوم جعلت العلماء يتوصلون إلى سر تركيبة قد تؤدي للقضاء علي الأرق فعليًا ونهائيًا وذلك باكتشاف المادة.. أو المواد الكيميائية في الجسم والتي تسبب النوم طبيعيًا، وقد تم حتي الآن عزل خمس مواد مرشحة لتكون إحداها مفتاح السر.. ولكن لم يتأكد هذا بعد.وقد اتضح من شهادة المؤرخين أن توماس أديسون صاحب إختراع المصباح الكهربائي «1913»، والذي فصل الإنسان عن دورة النوم والظلام الطبيعية والتي كانت تنظم نومه بصورة طبيعية، ومع إمكانية الإضاءة في الظلام أصبح هناك نظام وردية الليل ليتحول الإنتاج إلي عملية متصلة ليل نهار..أديسون هذا كان دائمًا يقول عن نفسه: لست في حاجة إلي النوم أكثر من أربع إلي خمس ساعات خلال 42 ساعة، أما الباقي فهو نوم بلا فائدة ، كان أديسون ينام لفترات قصيرة علي مدي اليوم، وهو صاحب «1300» اختراع في حياته.. وإذا اعتبرنا أن منطق أديسون هو الصحيح، فإن العبارات المتخصصة تنتشر وتزداد كل يوم، ففي أمريكا، توجد »1500» عيادة متخصصة في مشاكل النوم أو قلة النوم، وفي بريطانيا «400» عيادة.. والثابت بالبحث أن حوالي 30 % من سكان الأرض يعانون من نوع أو آخر من مشاكل النوم.