أضواء
وصلتني الأسبوع الفائت رسالة من فتاة ذيلت رسالتها بمريم (المكتئبة). تقول مريم إنها تشعر بحالة من الاختناق الحاد، وشعور بالاغتراب، ورغبة متواصلة في البكاء، وطوال الوقت ينتابها إحساس بأنها كائن بلا روح على حدّ وصفها. كل هذه الأعراض أصابتها بعد أن غادرتها صديقتها في رحلة دراسية خارج المملكة.مريم تعتبر ندى توأم روحها، صداقتهما بدأت في المرحلة الثانوية واستمرت في حرم الجامعة، ووصلت ذروتها بعد تخرجهما، حيث انتهى بهما المطاف إلى أن تصبحا رقما في قائمة العاطلات عن العمل، وتجدا نفسيهما حبيستي البيوت، ولا عمل لديهما تقتلان به الوقت الجارح سوى الثرثرة على الهاتف لساعات وساعات. أربع سنوات على هذه الحالة حتى بدت كأنها الأبدية، ومسلمة وجودية، وأنها الصيغة النهائية للحياة. وفجأة يحدث ما يلخبط هذا الروتين ويهز هذا السكون، لقد غادرت ندى، وبهذا الغياب وجدت مريم نفسها عاطلة عن الحياة فالفعل الوحيد الذي كانت تمارسه ويشعرها بالوجود هو الثرثرة مع ندى!!!هكذا حينما يغيب الأصدقاء وعلى نحو أدق أصدق الأصدقاء فإن الحياة تغدو أشبه بحلقة مفرغة من الهواء. وأعتقد أن هذا الإحساس يخص الصداقة النسائية وبالذات في السعودية. فالصديقة في السعودية تغدو كالنافذة الصغيرة لتنفس الحياة، وأهميتها تكمن في أنها غالبا ما تكون الوحيدة لتشعر المرأة السعودية بأنها على قيد الحياة. فالصداقة عند المرأة السعودية تأخذ مساحات من الأهمية تظهر أنها مفرطة في أبعادها وتتسم بأن قيمتها تبدو مبالغاً فيها. واعتقد أن ذلك نتاج طبيعي للقائمة الطويلة من المحرمات التي تطوق المرأة السعودية منذ نعومة أظفارها ومرورا بريعان شبابها إلى أن تصبح زوجة وأماً وحتى جدة. ففي جميع هذه المراحل لا تحظى الأنثى بأي اهتمام من الأشخاص المحيطين بها، وأعني به ذلك الاهتمام الذي يمنحها ذلك الإحساس بوجودها وبأهمية هذا الوجود، بل وبتقدير هذا الوجود، حيث تمنح الفتاة تلك المساحة التي يحظى بها الذكر من السماح لها بالتعبير عن رأيها، عن مشاعرها، وعن كل ما تريد، وما تكره، عن أحلامها، عن أمانيها، عن طموحاتها، عن مشاكلها، عن رغباتها، عن آلامها، عن إحباطاتها، عن آمالها.. إلخ.. وليس فقط السماح لها بل تشجيعها على التعبير عما ترغب في قوله.والأهم أن يتزامن ذلك مع وجود الأذن التي تريد أن تسمع والأذن التي تقوم بالإنصات، وأبعد من هذا هو أن تتوفر نظرة الاحترام لهذا الكائن الأنثوي، والإيمان بأن لها عقلاً كاملاً لا ينقص ذرة عن عقل الرجل، وقد يمنحها الله من الذكاء الذي يتفوق على أخيها الرجل، وقد جاء الإسلام ليؤكد على الحقوق الإنسانية للمرأة؛ التي تكفل لوجودها حياة كريمة لا تسقط عليها ظلال النقص. فلو حظيت مريم بالحد الأدنى من التقدير والاهتمام من قبل أهلها المحيطين بها ووجدت الأذن التي تسمع ما يعتلج في كيانها لما انهار الكون كله من حولها لمجرد أن صديقتها غابت عنها .[c1]*عن/ صحيفة «الوطن» السعودية [/c]