استهداف العراق
هذا الكتاب من إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية للباحث الأمريكي جيف سيمونز الطبعة الأولى عام 2003م بيروت وقسمت فصوله على هذه الموضوعات.الفصل الأول : ذريعة 11 أيلول / سبتمبر 2001م، الفصل الثاني : 1.6 مليون من الموتى والعد مستمر، الفصل الثالث : منع الإمدادات الضرورية، الفصل الرابع : قرارات حاسمة للأمم المتحدة، الفصل الخامس : تخريب الأمم المتحدة، الفصل السادس : العامل الإسرائيلي، الفصل السابع : نحو إجماع عربي، الفصل الثامن : حملة غارات القنابل، الفصل التاسع : تشديد العقوبات، الفصل العاشرة : تعويض أم سرقة؟، ملحق حول قرار مجلس الأمن رقم 1441، 8 تشرين الثاني نوفمبر 2002م، وهذا الكتاب يقدم لنا بالوقائع كيف تعمّدت الإدارةالأمريكية استهداف العراق، وقد كتبت بتاريخ 26 يناير 1998م مجموعة من الأمريكيين النافذين رسالة إلى الرئيس بيل كلينتون تحثه فيها على وضع سياسة تهدف إلى إزاحة النظام العراقي الحاكم من السلطة، حتى لو اتقضى الأمر إلى أن تقدم أمريكا على هذا الفعل لوحدها، وفي هذا العرض نقدم بعضاً من وقائع هذا الكتاب.* عرض / نجمي عبدالحميدحرب الإبادة الجماعيةفي هذا الجانب يقول المؤلف : ( لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت التقارير الإخبارية تتراكم لتصف الكارثة المخيفة والمتردية التي ألمت بالسكان المدنيين العراقيين كبار المسئولين في الأمم المتحدة، منظمات حقوق الإنسان، المحققون الأكاديميون، الصحفيون، الغربيون المعنيون الذين زاروا البلد، العراقيون الذين أستبد بهم اليأس أنفسهم - جميعهم سارعوا إلى الإعلان عن ارتفاع مخيف في معدلات سوء التغذية والإصابة بالأمراض، وأنّ المستشفيات بلا أدوية ولا نظافة، وشبكات الاتصال مهدمة، والمدارس والكليات مدمرة، وشبكة الطاقة في حالة انهيار نهائي، والتربة مسممة والشعب يعاني. كان كل هذا واضحاً في أعقاب حرب 1991م مباشرة، وقد ضمنت العقوبات أن يحرم العراق - طوال ما بقي من عقد التسعينيات - من أية فرص حقيقية لإعادة البناء الاجتماعي والصناعي. وبحلول أواخر التسعينيات كان آلاف المدنيين العراقيين يموتون كل شهر من سوء التغذية ومن أمراض يمكن تجنبها. ومرة أخرى فإنّ آلافاً من التقارير التقنية والصحفية، والدراسات المسحية والتحليلية المستقلة، والشهادات المخيفة من ضحايا عراقيين كانت تتجمع لتصف المأزق المطبق على الرجال والنساء والأطفال الأبرياء. عندئذٍ كان بعض المراقبين المستقلين - بينهم دينيس هاليداي، كبير المنسقين السابق للشؤون الإنسانية في العراق التابعين للأمم المتحدة - قد أخذوا يتحدثون عن عملية الإبادة الجماعية التي يرتكبها مجلس الأمن الدولي الواقع تحت الهيمنة الأمريكية ضد شعب مدني. ولا نحتاج لأكثر من نظرة إلى بعض العناوين الرئيسة النموذجية للصحف : دجلة المسمم ينشر تيار الموت في العراق.موت شعب.المجاعة : سلاح الدمار الشامل الغربي على العراق.لماذا يتعين أن يموت أطفال العراق جوعاً لأننا نريد أن نعاقب العراق.وبالعودة إلى بعض البيانات حول هذه الحالة، فقد أعلنت وزارة الصحة في العراق أنّ عراقيين يصل عددهم إلى عشرة آلاف معظمهم من الأطفال ماتوا بسبب العقوبات الاقتصادية.. نحو 7457 طفلاً دون الخامسة من العمر و2843 بالغاً ماتوا خلال شهر يوليو 2000م ومننذ عام 1991م مات من المدنيين العراقيين ما يربو على مليونين، في المتوسط يموت نحو 5000 طفل شهرياً بسبب الجوع والمرض، وفي 16 نوفمبر 2000م أعلنت وزارة الصحة العراقية عن موت 9 آلاف شخص بسبب عدة أمراض ناتجة عن العقوبات وقد شمل هذا العدد الإجمالي 6337 طفلاً دون سن الخامسة والذين ماتوا بالإسهال الحاد والالتهاب الرئوي والأمراض المتعلقة بالتنفس وسوء التغذية، وكان 3202 شخص قد توفوا بسبب نقص الأدوية الحاد من أمراض مثل السكري والقلب والسرطان، وفي أوائل عام 2001م، قال العراق : إنّ أكثر من مليون ونصف المليون من الناس - ومعظمهم من كبار السن والأطفال قد ماتوا بفعل تلك العقوبات، وقالت دائرة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إنّ أكثر من 4 ملايين عراقي قد أجبروا على الدخول في حالة فقر قصوى، ووصل عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية المزمن أكثر من مليون طفل، وبعض التقديرات حددت عدد الموتى من شعب العراق بسبب الجوع والمرض بأكثر من 2 مليون وفي 15 مايو 2001م أعلنت وزارة الصحة في العراق أنّ نحو 8797 من الرجال والنساء والأطفال ماتوا في الشهر السابق بفعل العقوبات، وذكرت الوزارة أيضاً إلى أنّ 3101 شخص من المسنين ماتوا في أبريل عام 2001م وقد أظهرت إحصائية معدل الوفيات بين أطفال العراق تحت سن الخامسة في شهر سبتمبر 2001م بفعل هذه الأمراض : الإسهال الحاد 2932، الالتهاب الرئوي 1594، سوء التغذية 2354، وفي ديسمبر عام 2001م مات نحو 15 ألف عراقي بسبب العقوبات ومات أكثر من 7 آلاف طفل دون عمر الخامسة بسبب الأمراض.الغارات الجويةوعن هذه العمليات الحربية في السياسة الأمريكية يقول الباحث جيف سيمونز : (بعد عملية ثعلب الصحراء "16 - 19 كانون الأول / ديسمبر 1998م" - وكانت بحد ذاتها أكبر هجوم صاروخي على العراق، لم ينته القصف الجوي بالقنابل. فقد استمرت الولايات المتحدة وبريطانيا - في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي - في قصف متكرر بالقنابل لأهداف فيما يسمى مناطق "الحظر الجوي".وفي يوم 25 كانون الثاني/ يناير 1999م أصاب صاروخ أمريكي حي أبو خصيب السكني في البصرة، مسبباً ضحايا كثيرين : فتاة صغيرة - يسرى - فقدت يديها اليمنى. وفي أحد التقديرات تسبب القصف الأمريكي - البريطاني طوال خمسة أسابيع منذ نهاية عملية ثعلب الصحراء في مقتل نحو 200 مدني وأصابت مئات أخرى.لقد حلقت الدوريات الأمريكية والبريطانية في نحو 16 ألف طلعة وألقت 550 قنبلة في جنوب العراق و11 ألف طلعة و1100 قنبلة في شمال العراق).خسائر الأرواح المدنيةفي أواخر شهر كانون الثاني / يناير 1999م أكد النبتاغون أنّ الصواريخ الأمريكية ربما تكون قد قصفت حي الجمهورية السكني على مشارف البصرة، بينما أذاع الصحفيون مصرع عشرة وإصابة أربعين. علّق مايك هاغينز، وهو منتج في شبكة سي . إن . إن . الإخبارية : "يمكنني أن أقول إنّ عدداً من البيوت تراوح بين 10 و 12 بيتاً قد دمرت تدميراً تاماً. لقد أزيل الطابق العلوي لمعظم البيوت. لقد دمرت غرف المعيشة في معظم المساكن الأخرى، أخذ الناس يبحثون في الأنقاض ليجمعوا متعلقاتهم".في يوم 24 شباط / فبراير قتلت الغارات الأمريكية - البريطانية على مشارف بغداد وأصابت عددًا من المدنيين، كدليل إضافي على أنّ واشنطن ولندن تشنان حرباً مستمرة غير معلنة.وفي يوم 28 شباط / فبراير دمرت القاذفات الأمريكية خط أنابيب النفط بين تركيا والعراق فقتلت عاملاً عراقياً واحداً وجرحت اثنين آخرين.وفي يوم أول آذار / مارس انطلقت النفاثات الأمريكية من قاعدة انجيرليك في تركيا وألقت أكثر من 30 من القنابل الموجهة بأشعة الليزر زنة 2000 رطل وزنة 500 رطل.وقد زوّد الطيارون هذه المرة بدرجة أعلى من المرونة في اتخاذ القرار بشأن متى يمكنهم استخدام قنابلهم وصواريخهم.استمرت الغارات لتسفر عن موجة متصاعدة من الموت والدمار. وشملت الأهداف : محطة الضخ الرئيسة التي تخدم ميناء البحر النفطي في منطقة البصرة، وتدمير منشأة الاتصالات، ومحطة للإرسال باللاسلكي ومسكنين "2 نيسان / أبريل 1999م" ومواقع في جنوب العراق وشماله وأصابت عشرات من الناس ودمرت 14 بيتاً".أسباب أمريكية للحربيوضح الكاتب في هذا الاتجاه الأسباب الأمريكية للحرب على العراق والتي أصبحت حالة تدرس في الفكر السياسي الأمريكي وقابلية استمرارها وما تحمل من أبعاد على وضع المنطقة، وتلك النقاط في السياسة هي :1 - البراهن على الهيمنة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.2 - استمرار التصنيع والتقدم في الأسلحة.3 - أمكن تعزيز أرباح أمريكا - المؤسسات.4 - تعزيز القبضة الأمريكية على نابع النفط في العالم العربي.5 - أمكن لزيادة أسعار النفط أن تفيد المنتجين الأمريكيين "أمثال رجال النفط في ولاية تكساس مثل جورج بوش وجيمس بيكر" والسعودية والكويت.6 - أمكن اختبار أعداد كبيرة جديدة من أسلحة التقانة العالية في الميدان.7 - تم جمع أكبر قدر من المعلومات المفيدة في مجالات مثل المراقبة الإليكترونية والمناورات الحاسوبية.8 - أمكن تبرير الأعداد الضخمة للدفاع في ميزانية أمريكا .9 - استطاع جورج بوش الابن أن يجدد صورته الانتخابية كرجل مغاير عن الأول.10 - أمكن التخلص بطريقة سحرية من العرض الفيتنامي دفعة واحدة وإلى الأبد.وقد ساعدت سياسة العقوبات ضد العراق إلى الوصول إلى مستوى عرقلة الأعمال المقدمة للخدمات الضرورية، وفي تاريخ 1 فبراير 2000م أشار مكتب برنامج العراق مرةً أخرى إلى عدة عقودٍ محتجزة لمراحل متباينة من البرنامج : 516 عقداً قيمته 1.26 مليار دولار، و22 عقداً بمبلغ 36.61 مليون دولار؛ 177 عقداً بما قيمته 541 مليون دولار و320 عقداً بقيمة 685.3 مليون دولار.وفي شهر مارس شكا الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان من عدة احتجازات فرضت على طلبات العراق والتي لها آثار سلبية على التنفيذ الكلي للبرنامج، وفي تقرير أشار كوفي أنان إلى :1 - الإيقاع البطئ والضال الذي تصل به الإمدادات الإنسانية إلى العراق.2 - أوجه التحسن في الوضع الإنساني دون مستوى التوقعات.3 - أسعار الطعام " خارج متناول معظم العراقيين".4 - عقود تغليف وتعليب الطعام لما قيمته 185.5 مليون دولار موضوعة قيد الاحتجاز.5 - وصول العقاقير بصورة غير منتظمة، "الأمر الذي يمكن أن يكون قد ساهم في زيادة الوفيات التي يمكن أن تعزي إلى أمراض القلب والسكري والكلى والكبد".6 - عقود للمياه والنظافة بقيمة 95.6 مليون دولار موضوعة قيد الاحتجاز.7 - عقود لمولدات كهربائية بقيمة 488 مليون دولار موضوعة قيد الاحتجاز الأمر الذي "أحدث أثراً ملحوظاً في تأخير استكمال أعمال الصيانة".8 - 92.2 بالمائة و100 بالمائة من عقود الاتصالات اللاسلكية لمرحلتين من برنامج الأمم المتحدة موضوعة قيد الاحتجاز.وفي 26 - أبريل 2000م وصل العدد الإجمالي للاحتجازات إلى 1180 بمبلغ إجمالي هو 1726 مليون و891 ألفاً و635 دولارًا أمريكيًا.وفي الأسابيع الأخيرة من عام 2000م كانت القيود الموضوعة قيد الاحتجاز قيمتها قد وصلت :1 - قرابة 2.5 مليار دولار أمريكي، بينها 2.1 مليار دولار أمريكي لإمدادات إنسانية.2 - ما يربو على 2.5 مليار دولار، بينها 2.2 مليار لإمدادات إنسانية.3 - ما يربو على 2.7 مليار دولار أمريكي بينها 2.4 مليار لإمدادات إنسانية.4 - ما يربو على 2.9 مليار دولار أمريكي لإمدادات إنسانية بحلول نهاية العام 2000م.الحرب المعلنةكشفت التقارير أنّ بريطانيا ألقت 84 طناً من ا لقنابل على العراق منذ نهاية عملية ثعلب الصحراء وفي تاريخ 12 نوفمبر قامت طائرات حربية أمريكية وبريطانية بمهاجمة عدة أهداف في محافظة البصرة وأطلقت 4 صواريخ على قرية الحميدي وقد أصاب أحد الصواريخ مدرسة علي الهييني، وبعد يومين قصفت الطائرات الأمريكية بالقنابل أهدافاً في شمال العراق، وفي 7 ديسمبر 2000م قذفت طائرات أمريكية والبريطانية بالقنابل أهدافاً في جنوب العراق، وفي 16 فبراير 2001م شنت الولايات المتحدة وبريطانيا أكبر غارة بالقنابل على أهداف حول بغداد منذ عملية ثعلب الصحراء في ديسمبر 1998م وشاركت في الغارة الجوية 80 طائرة بينها 24 طائرة مغيرة أمريكية من ظراز إف - 16 وتسع طائرات تابعة للسلاح الجوي الملكي البريطاني بينها ست من طراز تورنادو بعض تلك الغارات انطلقت من حاملة الطائرات الأمريكية هاري إس ز ترومان في الخليج العربي.الآثار الفتاكة للعقوباتيقول مؤلف الكتاب في هذا الصدد : "إنّ الآثار الفتاكة للعقوبات قد تفاقمت بفعل البقايا المميتة للحرب، وليس أقلها إيذاء البقايا المرتبطة بمخزون اليورانيوم المنضب.لقد تشكك مراقبون جادون قليلون في أنّ قوات التحالف استخدمت مليوناً من ذخائر اليورانيوم المنضب الذي يعرف الجميع أنّه ينتج مساحات من التلوث الإشعاعي، وأنّه ارتبط بارتفاع هائل في معدلات الإصابة بالسرطان ومعدل تشوهات الأجنة بين السكان المدنيين العراقيين.وفي يوم 4 آذار / مارس 1998م كتب الصحفي الإنكليزي روبرت فيسك عن كابوس اللوكيميا "سرطان الدم" وسرطان المعدة "الوبائي" ... الذي حصد أرواح آلاف المدنيين العراقيين الذين يعيشون بالقرب من منطقة الحرب السابقة، بمن فيهم أطفال."