تحقيق/ أثمار هاشمالأم كلمة بالرغم من قلة أحرفها إلا أن معانيها أبلغ من أن تصفها أي كلمات، هي حب دون مصلحة، عطاء بلا حدود، تضحية بالجهد والوقت وحتى بالنفس في سبيل سعادة وراحة أبنائها، الشمعة التي تحترق لتضيء ما حولنا واليد الحانية التي تداوي آلامنا وجراحنا فيما الأمومة هبة ربانية تعطى لبعض النساء وتحرم أخريات منها.ولكن هل تنطبق معاني الأم والأمومة على كل الأمهات؟ لا أظن ذلك؟ وإلا لما كنا لنشاهد أمهات يتسولن بأطفالهن لاستدرار عطف الناس عليهن فهل يعني ذلك أننا موشكون على تغيير نظرتنا تجاه الأمهات.. سطورنا التالية تسرد عليكم حكايات أمهات من هذا النوع :الحياة في القرية صعبةفي إحدى الأيام وبينما كنت أمشي بالقرب من الغرفة التجارية استدعى انتباهي امرأة تفترش الأرض على (كرتونة) وبجوارها طفلان نائمان (ولد وبنت) وما أن اقتربت منها حتى وجدت أن ملامحها لا تدل على أنها يمنية مع هذا لم استطع منع نفسي من سؤالها والتحدث إليها دون أن أفصح عن مهنتي :* هل أنتِ يمنية؟- نعم* ولكن شكلك ليس يمنياً؟- أنا يمنية من خرز.* هل هذان طفلاك؟- نعم.* لماذا جئت من خرز؟- كنت أعيش في قرية والحياة هناك صعبة جداً.* وأين هو زوجك؟- توفي منذ سنتين لقد ذهب للعمل في السعودية ولكنه توفي.* منذ متى وأنتِ في عدن؟- منذ أكثر من عام.* هل لديك هذان الطفلان فقط؟!- لا.. عندي ثمانية أطفال.* وأين تعيشين؟- أعيش بالقرب من هذا المكان في بيت إيجاره (8) آلاف ريال.* أين باقي أطفالك؟تركتهم بالبيت كما أن اكبرهم معاق.- * هل ما تحصلين عليه من مال يكفي لدفع الإيجار؟- نعم.* لماذا لم تفكري بالحصول على عمل أو الذهاب إلى إحدى الجمعيات الخيرية لمساعدتك؟- أنا لا أعرف أحداً في عدن.* ألا تخافين من أن يمرض أولادك وهم نائمون هكذا في الشارع؟- (لم ترد على هذا السؤال).* ألم تتمني أن تري أولادك يذهبون إلى المدرسة؟- لا احد من أبنائي يذهب إلى المدرسة؟* أين تكونين في النهار؟- في النهار أكون في البيت وآتي إلى هنا قرب المغرب وأبقى حتى التاسعة والنصف مساءاً ثم أعود إلى البيت.أم زوجي تجبرنيفي إحدى الشوارع الضيقة وغير المرصوفة بالقرب من سوق الحدادين وجدتها تجلس وأمامها طفلتها التي يحوم الذباب والبعوض فوق وجهها فيما تحاول هي إبعاده بيدها.* هل هذه ابنتك؟- نعم.* كم عمرها؟- سبعة أشهر.* أين زوجك؟- يعيش في تعز مع زوجته الثانية وبيننا خلاف.* وأين تعيشين الآن؟ ومع من؟- أعيش في المعلا مع أم زوجي.* لماذا خرجت للتسول؟- لا أحد يحتمل أحداً في هذه الأيام.* وهل تسمح لك أم زوجك بالخروج للتسول مع حفيدتها؟- هي التي تطلب مني الخروج للتسول، حتى هي أيضاً تتسول مع باقي أبنائها.* ماذا يعمل زوجك؟ - لا يعمل.* وكيف ينفق إذاً على زوجته الثانية؟- يجعلها تخرج لتتسول له كما انه يأتي في بعض الأحيان إلى عدن ويأخذ المال من أمه ويعود لزوجته.* لماذا إذاً تزوجته إذا كان لا يعمل؟- عندما جاء مع أمه لخطبتي لم يقولوا لنا أنهم متسولون بل قالوا إنهم يعملون في عدن ولكن بعد الزواج عرفت أنهم يتسولون.* ألم تفكري بالعيش في بيت أهلك بدلاً من التسول؟- أبي يريد أن أعيد أبنتي لأبيها وأنا لا أريد ذلك لهذا جئت إلى عدن للعيش مع أم زوجي.* لماذا لم تفكري بالعمل في أي مكان؟- أنا لا أعرف القيام بأي عمل.* ألا تتمنين رؤية ابنتك تذهب إلى المدرسة لتتعلم؟- ابنتي لن تتعلم في عدن فنحن في القرية ليس لدينا شهادة ميلاد.[c1]أخجل من العمل في البيوت :[/c]وعلى مقربة من المكان الذي كانت تجلس عليه زميلتها الثانية جلست المتسولة الثالثة مع طفلتين إحداهما تتراوح سنواتها بين الرابعة أو الخامسة من العمر نائمة بجوارها على ذلك (الكرتون) فيما تضع الأخرى وهي طفلة رضيعة أمامها وبجوارها حقيبة صغيرة يبدو أن بداخلها بعض ملابس الأطفال و (ترموس) لا أعرف ما بداخله لذا لم استطع منع نفسي من الوقوف أمامها والتحدث إليها فبادرتها بالسؤال :* هل هذه الصغيرة ابنتك؟- نعم.* كم عمرها؟- (30) يوم.* أين زوجك؟- يعمل في تعز.* هل يرسل لك مصاريف؟- نعم مرة بالشهر.* لماذا لا تذهبين للعيش معه؟- لا أريد.* أين تسكنين؟- بالمعلا في حي ردفان.* ألم تفكري بالبحث عن عمل ولو حتى خادمة في البيوت؟- أنا لا أعرف أي عمل كما أني أخجل من العمل في البيوت.* تخجلين من العمل في البيوت ولا تخجلين من التسول؟- (سكتت ولم ترد بكلمة).* هل فكرت بأن هذه الطفلة قد تمرض لبقائها في الشارع.. من أين ستدفعين ثمن العلاج لها؟- (أحنت رأسها ولم ترد).* عندما كنت أتحدث إليها وقف بجانبي رجل يستمع لحديثنا ثم سأل المرأة.. لماذا لا تذهب إلى الجمعيات الخيرية لمساعدتها ثم طلب منها التوجه لمكان قريب من منطقة سكنها وأعطاها اسم رجل وقال لها أنهم سوف يساعدونها.* كيف تقضين نهارك؟- أنا لا أخرج من البيت في النهار، بل أخرج مع المغرب للتسول. * كيف تحملين هاتين الطفلتين مع باقي الأشياء عندما تعودين في المساء؟- عند وقت العودة أوقظ البنت الكبرى من نومها لتساعدني في حمل الأغراض وأحمل أنا البنت الصغرى.حصلت على عمل ولكن!!على عكس باقي المتسولات اللاتي يتسولن مساء اعتدت أن أراها صباح كل يوم تجلس في مكان قريب من عملي بجوارها ثلاثة أطفال بنت وولدان أصغرهما في الثانية من عمره.* ألا تذهب أبنتك إلى المدرسة؟- لا أحد من أبنائي يذهب للمدرسة وأضافت قائلة عندي سبعة أطفال أصغرهم هذا (أشارت إلى أبنها ذي العامين).* أين زوجك؟- لا يعمل.* لماذا تزوجته إذاً؟ - في السابق كان يعمل في القطاع الخاص ومنذ ثلاث سنوات أوقف عن العمل وطلب منه الانتقال بعيداً.* لماذا لم ينتقل؟- ذهب إلى صنعاء لإجراء بعض المعاملات ولكن كما تعلمين السفر والمعاملات تحتاج للمال ونحن لا نملكه.* هل يعني هذا أنه جالس في البيت الآن؟- لا إنه يحاول أن يعمل هنا وهناك، إلا أن ما يحصل عليه آخر الشهر لا يكفي متطلبات الحياة. وإدخال الأولاد للمدارس واسترسلت بالحديث ابني الأكبر في الرابعة عشرة من عمره يعمل في إحدى المرافق الحكومية ولكن رواتب المتعاقدين قليلة ويذهب راتبه لتسديد الديون.* أين تسكنين؟- أعيش في التواهي مع أربع عائلات في بيت واحد.* ألم تفكري بالحصول على مساعدة من أي جهة؟- هناك نفاق كبير يحدث في توزيع هذه الإعانات فأنا وأطفالي مثلاً نحصل على (1000) ريال فقط من إحدى الجهات أما الإعانة التي يصرفها صندوق الرعاية الاجتماعية (الخيرية) فهي توزع على كبار السن والأرامل والمطلقين أي أنها لا تنطبق عليّ.* هل ما تحصلين عليه من مال يكفيك؟ - إطلاقاً.* لماذا لم تقومي بالبحث عن عمل بدلاً من التسول؟- حصلت على عمل في إحدى المدارس ولكن المشكلة كانت في أين أضع ابني الصغير؟!* إلا يوجد أحد تضعين عنده أطفالك؟- أم زوجي التي نعيش معها ترفض الاهتمام بأطفالي وتفضل رعاية أبناء ابنتها المطلقة وأبناء ابنها الآخر وأشارت إلى ابنتها التي تجلس بجوارها وقالت لو كانت ابنتي هذه كبيرة قليلاً لوضعتهم عندها.* ماذا عن أهلك؟- أهلي كل واحد منهم مشغول بحياته الخاصة وذرفت الدموع من عينيها وهي تقول عندما كان أبي على قيد الحياة كان يسأل عني ويساعدني مادياً ولكن الآن لا أحد يلتفت لي حتى عندما غضبت في إحدى المرات من زوجي وذهبت لأخي أخبرني أنه سيقبل بي وبابني الصغير الذي كان يرضع فقط وأن أترك باقي أولادي عند أبيهم فهو غير مسؤول عنهم كما أنهم أبناء رجل غريب وليسوا من دمه ومنذ ذلك اليوم لم أفكر مطلقاً بأن أغضب من زوجي وأغادر البيت. وأضافت قائلة : في بعض الأحيان يتقطع قلبي على أولادي عندما يحين وقت العشاء ولا يكون عندي شيء أطعمهم فاضطر للخروج والمرور على بعض الأفران وأسألهم أن يعطوني (روتي) أطعم به أطفالي الجياع.[c1]مساعدة أزواجهن :[/c]وفي هذا السياق توجهنا إلى الأستاذ/ أيوب أبوبكر مدير عام مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل - عدن وعندما سألناه عن الجهود التي تبذلها الوزارة في القضاء على ظاهرة تسول الأمهات بأطفالهن قال : إن مكتب الوزارة في عدن يبذل جهوداً كبيرة في سبيل القضاء على ظاهرة التسول وكان قد أجرى عدداً من البحوث والدراسات الميدانية حول المتسولين ليتم إيداعهم في دار التكافل الكائن بمدينة الشعب، كما قام المكتب كذلك بترحيل بعض من هؤلاء المتسولين الذين يأتون من خارج محافظة عدن وكنا نصرف مبالغ طائلة للترحيل ولكننا وجدنا أنهم يعودون مرة أخرى خاصة وأنهم يعملون وفق جماعات تنظم عملها وأضاف قائلاً : أن معظم النساء المتسولات في عدن هن من الصوماليات اللاتي يهربن من مخيم خرز للاجئين أو يأتين من منطقة البساتين وبالرغم من جهودنا المستمرة لإبعادهم عن الشارع إلا أنهن يعدن إليه مجدداً موضحاً بأن مفوضية اللاَّجئين هي المسؤول المباشر عنهن أما النساء اليمنيات المتسولات فأعدادهن قليلة مقارنة بالصوماليات كما أن بعضهن وحسب علمنا يقمن بالتوسل بناء على رغبة أزواجهن للمساعدة في الحياة المعيشية.وأوضح الأخ/أيوب أبو بكر أن معظم المتسولات اليمنيات يتسلمن رواتبا من صندوق الرعاية الاجتماعية إلا أنهن يصررن على التسول للمدخول الكبير الذي يحصلن عليه من تسولهن مضيفاً أنه على الرغم من أن القانون اليمني يجرم المرأة التي تتسول بأطفالها إلا أننا في بعض الأحيان نجد أنفسنا عاجزين على تطبيق ذلك القانون لأننا عندما نقبض على الأم فأنها سوف تودع في النيابة وتبقى المشكلة بالطفل لذلك نضطر في بعض الأحيان للتغاضي عن أولئك الأمهات إلا أننا نكون صارمين جداً في إثبات أن الأم تستغل أطفالها وخاصة إذا كن بناتاً وفي هذه الحالة يتم إيداع الأطفال في أماكن خاصة كمركز الطفولة الآمنة،دار التوجيه المعنوي،دار الشوكاني لرعاية الأيتام(بنين)ودار قطر للأيتام(البنات)وهذا الأخير لا يستقبل الفتيات اليتيمات فقط وإنما يستقبل كذلك فتيات الأسر المعسرة التي لا تستطيع الانفاق عليهم بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة فالدولة حرصت على توفير الأماكن الخاصة بهؤلاء الأطفال لكن للأسف ما زال الكثيرون يجهلون عنها وعن الدور الذي يمكن أن تقدمه للأطفال.وعن دور منظمات المجتمع المدني في هذا الشأن..رد بأنه على الرغم من وجود عدد من منظمات المجتمع المدني في عدن تختص بالمرأة والطفل إلا أن أي واحدة منها للأسف لم تأخذ على عاتقها مهمة توعية الأمهات المتسولات بالمخاطر التي قد يتعرض لها أطفالهن في الشارع أو تفكر بتدريبهن بعض المهارات لتجنب العمل بالتسول ونحن من جانبنا نرحب بأي تعاون بيننا وبينهم في هذا الشأن وأختتم حديثه قائلاً:أنه في ظل ضعف الإمكانيات المادية لمكتب الوزارة في عدن وغياب الدور الفاعل لمنظمات المجتمع المدني في هذا المجال فإن المشكلة ستظل قائمة وإن كنا نتمنى أن نتوصل إلى حل هذه المشكلة والقضاء عليها قبل أن تنتشر أكثر من ذلك.[c1]كلمة المحررة:[/c]حينما شرعت في إجراء تحقيقي الصحفي هذا كنت على يقين بأني سأستمع إلى حكايات مختلفة قد اتقبلها أنا وغيري أو قد نرفضها وفي مجمل الأحوال فأن جميع ما سمعته أكد لي بوضوح أن هناك تخلخلاً كبيراً يستشري في جسد الأسرة اليمنية وإذا استمر الحال كذلك فإن ذلك من شأنه أن يوجد مشاكل لا حصر لها أكان على مستوى الأسرة أو المجتمع بشكل عام.نأمل أن يتم القضاء على كثير من الظواهر السلبية في مجتمعنا والتسول من بينها لا أن نرى تزايداً في أعدادهم بحجة الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة وأن تأخذ جميع الجهات المعنية الحكومية أو غير حكومية على عاتقها الحل الفعلي والجذري لظواهر المجتمع ومشاكله.
أخبار متعلقة