المشكلة السكانية في اليمن ودول الخليج ..
منذ الوهلة الأولى قد يتبادر إلى الذهن أن المشكلة هي الزيادة في أعداد السكان في بلد ما أو هي الانفجار السكاني، لكن علم السكان ودراساته تؤكد أن المشكلة السكانية هي الاختلال في التوازن أو انعدامه بين النمو السكاني في بلد ما والموارد الاقتصادية المتاحة لهذا البلد. لذا فالمشكلة السكانية قد تبرز بمظهرين مختلفين الأول هو ازدياد أعداد السكان بشكل كبير في بلد شحيح المصادر الاقتصادية والطبيعية واليمن مثال بارز لهذا المظهر، أما المظهر الآخر للمشكلة السكانية فهو توفر كميات هائلة من الموارد الاقتصادية لبلد ما لا يوطن من السكان إلا عدداً قليلاً عن حاجة الإنتاج والتنمية وهذا المظهر واضح وجلي في دول الخليج العربي.ومن المسلم به أن بلداً شحيح الموارد مثل اليمن تعتبر الزيادة السكانية فيه بهذه المعدلات العالية سبباً رئيسياً لإعاقة التنمية نتيجة لاستفحال الفقر وارتفاع معدلات البطالة والأمية الذي قد يؤدي إلى ضعف الدولة وتفكك المجتمع وبروز بؤر التمرد والتفكك والتطرف والحروب. وبالطبع سوء إدارة تلك الموارد الشحيحة والفساد يفاقم الآثار السلبية للمشكلة السكانية في اليمن لكن الإدارة الرشيدة للموارد حتما ليست الحل الوحيد لهذه المشكلة. ومما لا خلاف عليه أيضاً أن هذه التأثيرات السلبية لن تقتصر على اليمن فحسب بل تمتد لتطال دول الخليج العربي بطرق شتى بحكم الجغرافيا والمصير المشترك.بالمقابل فإن المشكلة السكانية في دول الخليج لا تقل خطورة، فحاجة تلك الدول لاستثمار مواردها يدفعها إلى استيراد الملايين من العمالة الأجنبية “أغلبها غير عربية” إلى منطقة الخليج والتي وصلت نسبتها في بعض دول الخليج إلى أكثر من 80 % من السكان .. وأثبتت الدراسات أن لهذه العمالة الأجنبية آثاراً اقتصادية واجتماعية سلبية على المجتمعات الخليجية كتفاقم البطالة بين الخليجيين وتسرب مخزون كبير من العملة الأجنبية الصعبة للخارج وزيادة النفقات العامة لدول الخليج. إضافة إلى بروز مخاوف حقيقية من تشوه للثقافة الخليجية وانسلاخ البنية الفكرية للإنسان الخليجي في المستقبل القريب واضمحلال تدريجي للغة العربية في المنطقة .. ليس ذلك فحسب بل ربما قد تستغل تلك العمالة في ابتزاز دول الخليج أو في التدخل الخارجي المباشر وغير المباشر تحت ذريعة حقوق الإنسان والعمال خاصة إذا ما حشرت المنظمات الحقوقية الدولية المسيسة وهذا بالتأكيد سيولد نتائج كارثية ليس على أمن واستقرار دول الخليج فحسب بل واليمن بحكم الجغرافيا والمصير المشترك أيضاً.إذا فالمشكلة السكانية بوجهيها في اليمن ودول الخليج تعتبر من أخطر التحديات التي يواجهها إقليم الجزيرة العربية والتي وإن اختلف سبب نشوئها في كلا الجانبين إلا أن نتائجها في جانب تؤثر سلبا على الجانب الآخر وهنا تبرز أهمية استحداث مؤسسة إقليمية يمنية خليجية مشتركة تعنى بالدراسات السكانية المتعمقة للخلل السكاني في إقليم الجزيرة العربية من جميع جوانبه والرفع بالتوصيات اللازمة لصناع القرار بالآليات الإستراتيجية والحلول العلمية الناجعة التي يجب تنفيذها بأطر زمنية محددة للخروج من أزمة سكانية فعلية راهنة ولتفادي مصائب اجتماعية واقتصادية وسياسية مستقبلية يمكن أن يعانيها سكان الجزيرة العربية.[c1][email protected][/c]