إن رسالة المسلم والمسلمة في هذه الدنيا رسالة دينية روحية خيرية اجتماعية . قال الله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات. وقال تعالى (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) سورة الحج -.فعلق مولانا الفلاح في الدنيا والآخرة على فعل الخيرات ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في الاقتداء به في فعل الخير والتسابق عليه وخاصة في شهر رمضان المبارك . فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أجود الناس بماله وبدنه وعلمه ودعوته ونصيحته وكل ما ينفع الخلق ، وكان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان ، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، إن جبريل عليه السلام كان يلقاه كل سنة في شهر رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ) . فجود النبي صلى الله عليه وسلم يشمل كل خير وكل أنواع الصدقة، وهكذا ينبغي على المسلم والمسلمة الاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم . أيها الأحبة إن للصدقة وبصفة خاصة في شهر رمضان فضائل كثيرة لا تعد ولا تحصى: أولاً : أن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع عن صاحبها ميتة السوء . ثانياً : الصدقة دليل على الرحمة والشعور بالآخرين من عباد الله المحتاجين، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . ثالثاً : الصدقة سبب للاستظلال في ظل عشر الرحمن يوم لا ظل إلا ظله . رابعاً : الصدقة سبب للخلف قال صلى الله عليه وسلم (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً) . ومن صور التنافس في الخيرات فعل سلفنا الصالح يرحمهم الله تعالى . روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه (من أصبح منكم اليوم صائماً في غير رمضان فقال أبو بكر : أنا يارسول الله، فقال فمن منك اليوم تبع جنازة ؟ قال أبو بكر أنا يارسول الله . قال فمن منكم اليوم أطعم مسكيناً. قال أبو بكر : أنا يارسول الله . قال فمن منكم اليوم عاد مريضاً ؟ قال أبو بكر أنا يارسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة) . ويتسابق الصحابة في الصدقة استجابة لطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعندما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة أن يتصدقوا فقال عمر : وافق ذلك مالاً عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي ، فقال صلى الله عليه وسلم ماذا أبقيت لأهلك يا عمر ؟ قال : أبقيت لهم مثله يارسول الله . فجاء أبو بكر بكل ما عنده وأعطاه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم : ماذا أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله). فعلينا في هذا الشهر الكريم وفي غيره التسابق إلى العطف والرحمة باليتامى والأرامل والفقراء والمحتاجين. ومن أروع ما ذكر عن سلفنا الصالح يرحمهم الله أن عمر بن الخطاب كان يراقب أبا بكر في وقت الفجر وشد انتباهه خروج الصديق إلى أطراف المدينة بعد الفجر ويمر بكوخ صغير ويدخل به لساعات ثم ينصرف وهو لا يعلم ماذا يصنع الصديق ، ومرت الأيام وما زال أبو بكر يزور هذا البيت إلى أن قرر عمر معرفة الأمر فدخل عمر هذا الكوخ الصغير، فوجد عجوزاً عمياء لا تقدر ولا تقوى على الحركة، فأراد أن يعرف عمر ماذا يفعل الصديق ، فسأل العجوز عن ذلك ماذا يفعل الرجل عندكم؟ قالت هذا الرجل يأتيني كل صباح وينظف البيت ويكنسه ثم يعد الطعام وينصرف. فجثم عمر على ركبتيه وأجهش في البكاء وسالت الدموع من عينيه وقال : لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر . ويروى أن عمر قال : إذا كان الغد سأسابق أبا بكر إليهم وأصلح لهم شئونهم فلما فرغ من صلاة الفجر خرج مسرعاً قبل الصديق لخدمة المرأة العجوز، فوجد المكان نظيفا والطعام قد أعد ، فاستغرب عمر من الموقف ، لقد ترك أبو بكر المسجد فلما رأى المرأة سألها من أعدَّ لها الطعام ومن نظف لها المكان؟ قالت : إن الرجل الذي كان يأتيني كل يوم بعد الفجر جاء قبل صلاة الفجر فعلم عمر أن المنافسة على السبق مع أبي بكر من الأمور المستحيلة . وهكذا كان سلفنا الصالح . وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.> رئيس بعثة الأزهر الشريف بالجمهورية اليمنية
أخبار متعلقة