الجوسق
بعد إزاحة الأنقاض عن قصر الجوسق في العراق وكشف التصاميم والملحقات التي كانت له، ثبت أنه كان لهذا القصر مدخل واحد كبير هو باب العامة.بنى القصر المعتصم بالله عندما ارتحل من القاطول إلى سرمن رأى في الموقع الذي فيه دار العامة وكان فيه دير للنصارى فاشترى الأرض من أهل الدير واختط فيها، ثم صار إلى موقع قصر الجوسق على دجلة وبنى هناك قصراً . لقد كان قصر الجوسق من أهم القصور التي شيدها المعتصم بالله في سامراء، وقد اختار له موضعاً يقع على ضفة دجلة الشرقية جنوبي دار العامة مطلاً على الحيرة ، ويشغل المساحة التي بين شاطئ دجلة والحير وهي مساحة واسعة جداً ، وقد اتخذه المعتصم بالله مقراً له فسكنه طيلة خلافته ، ولما توفي دفن فيه كما سكنه المعتز بالله من بعده ، وفد اتخذ اغلب خلفاء سامراء بعد المعتصم بالله هذا القصر سكناً لهم .كان القصر يتألّف من واجهةٍ تطلّ على نهر دجلة، خلفها ثلاث قاعات تغطّيها قبوات نصف أسطوانيةٍ، ثمّ صحن مربع في وسطه فُسقية، وعلى كلّ جانبٍ من جوانبها ثلاث غرفٍ ثم قاعة الخليفة وقاعة الحريم. أما قاعة العرش فكان قوامها بهواً مربعا يحيط به من جهاته الأربع قاعات على شكل حرف (T) وجد على جدرانها كثير من الزخارف الجصية التي امتاز بها الطراز العباسي. وعثر في قسم الحريم بالقصر على قاعاتٍ صغيرةٍ للنظافة والغسل، وكان الماء يصل إليها في أنابيب من الرصاص أو الصلصال، كما كشفت في مواجهة قاعة العرش غرف مربعة كانت تزينها نقوش آدمية. وعثر على سردابٍ صغيرٍ في مدخله قاعة مربعة ويزيِن جدرانها إفريز من نقوش على الجص تمثّل إبلاً ذات سنامين تسير في هدوء واتزان. ويذكر هذا الرسم بالحفر البارز على جانب السلم الكبير لقاعة الإمبراطور «أجزركسيس» في برسبوليس في إيران، أي إن الأثر الفارسي الساساني يظهر هنا بوضوحٍ.كشفت أنقاض بعض قصور الخلفاء العبّاسيين وكثير من الدور الخاصة عن حقيقة كون جدرانها، لا سيما الأجزاء السفلية، مغطاة بطبقةٍ من الجص ذات الزخارف البارزة أو المحفورة.قسم العلماء الزخارف إلى طرزٍ، أقدَمها التي احتوت على رسومٍ دقيقةٍ لأوراق العنب وعناقيده.. ثم تبتعد هذه الزخارف عما هو نباتيّ وطبيعي، بل ويزداد فيها التنسيق والتحوير لتتحول أخيراً نحو زخارف قطوعية خطية لا صلة بينها وبين الطّبيعة.لم تكن الزّخارف الجصية كل ما وجده المنقبون، بل ثمة أطلال وجِدَت فيها بقايا صور حائطيةٍ بالألوان المائية يغلب عليها الأسلوب الساساني في التصوير، وتكاد تكون الرسوم الوحيدة التي تمثل ما كان عليه التصوير الحائطي في إيران القديمة. ومن اللاّفت أنّ نقوش سامراء تشمل صوراً للنساء يرقصن ولحيواناتٍ وأشخاصٍ وطيورٍ في مناظر وسمكٍ يسبح في الماء وفرسان ورهبان.