كتب/ جورج جحالدى الشاعر الكويتي سامي القريني موهبة شعرية أكيدة من دون شك لكنه منذ مجموعته السابقة (كأنني أرى شيئاً) حتى المجموعة الحالية الكبيرة نسبياً (عرايا بلا مفردات) يبدو كمن يراوح مكانه ولم يجد طريقته الخاصة بعد.ولعل ما لقيه هذا الشاعر الشاب من إعجاب وإشادة لم يشكل دافعاً إلى تطوير نتاجه بل بدا كأنه سبب للاستكانة والبقاء في مكانه وهو على غير ذلك قادر دون شك. وربما كانت الصراحة أفضل الطرق إلى دفع هذه الموهبة الشابة إلى الأمام وجعلها تتخلص مما يسمرها في مكانها دون تنمية حقيقية لطاقاتها الأكيدة.وقد يبدو هنا مقبولا استعادة ما قال كاتب هذه السطور عن مجموعته السالفة وعن الشاعر يوم صدورها وهو “سامي القريني شاعر يعد بشعر جيد بعد أن يجد سبيله الخاص ويتوقف عن زيارة شعراء آخرين والاستضافة ببعض ما يستعذب عندهم. ولا بأس في الاستضافة فهي سنة الحياة الشعرية..شرط ألا تطول).عند سامي القريني في مجموعته الجديدة كما في السابقة تختلط مناهج وأساليب وأصوات يكاد يضيع بينها صوته الخاص لكنه حيث يطل.. يطل بعذوبة فليته القى عن كاهله ثقل الآخرين.والآخرون هنا شعراء كثيرون منهم القدامى ومنهم المعاصرون ويطل بينهم صوت هذا الشاعر العذب.عنده تجد الشعر الحديث بمعنى قصيدة تعدد الأوزان والقوافي جنبا إلى جنب مع القصيدة العمودية التقليدية.. والشعر الخطابي المجلجل المدوي مع الوجداني المحرك بهدوء.. وأحيانا في القصيدة الواحدة. ومن شأن ذلك أن يكون عامل ثراء وتعدد حيث يتعايش بعضه مع بعض بوعي واختيار.. إلا انه عند الشاعر يبدو متجاورا أكثر منه متعايشا بتلك الصورة.وكما بدأ الشاعر مجموعته السابقة بمزيج من الوجدانية الحلوة والتباهي و”العنتريات” التقليدية الباهتة فقد فعل الأمر نفسه في الجديدة وان بشكل مختلف نوعا ما.قال في الأولى (يد ليس فيها سوى إصبعين/ ودمع غريب ينادي/ ويبحث عن موطن وسط عيني.../ سيعلم كل الذين تناسوا وجودي/ بأني.. سامي القريني).واستئنافا لما سبق وعلى طريقة المتنبي في القول (سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا/ بأنني خير من تسعى به قدم) فإن سامي في (مقدمة لابد منها) لمجموعته الجديدة يقول (إن الشعر ينام وحيدا/ في مستشفى/ مرض النثر/ وأنا/ ابحث عن لغة/ تجعلني/ سيد هذا العصر).الأكيد أن هذا الكلام لم يغادر المستشفى الذي أشار إليه الشاعر الشاب.المجموعة التي يبدو أن قصائدها كتبت بين 2007 و2010 جاءت في 208 صفحات وصدرت عن (الدار العربية للعلوم ناشرون) في بيروت وضمت ما لا يقل عن 71 قصيدة بين طويلة وقصيرة وما بينهما.في قصيدة (مشهد صباحي) تتجلى قدرة شعرية ورهافة حس وتساؤلات فكرية. يقول (صباحا فتحت الشبابيك/ حدقت أكثر في نخلة البيت/ كنت أراها صغيراً/ وها هي تنمو/ وأنمو أنا معها مثل سعف جريح/ وعيني غبار وريح../ تساءلت كيف إذا نحن متنا جميعاً/ ولم يبق في البيت بيت ليسكنه البيت/ هل سوف يبقى النخيل يكفكف أدمعه في مهب الرحيل).إلا أنه لا يلبث أن يحن إلى القول النثري فنجد أن القافية تتحكم به فعلاً فعشقه لها هنا هو من هذا النوع الذي يشكل (حمولة زائدة). يختم القصيدة الجميلة بالقول (تأنق صمتي بثرثرة حافية/ وأدركت بعد امتزاجي بما أنا فيه/ بأني أمارس حالة عشق/ مع القافية).في قصيدة (شباك العنكبوت) تزاوج بين العمودية وبين التحرر من القافية في تعدد وزني لا يخلو من شيء من الخلل فيقول (في هداة البحر والأضواء والسفن/ كن وردة في خطوط الطين كن مطرا/ واسأل عن المالئين فم الدنيا/ أضيء جملة في فخر دفترها واحمل صفاتك فوق الرمز محتفيا/ باللانهاية قل.. وجهي سيجهلني بعد قليل/ إذن فلأستعر لغتي/ حتى أقايض من يأتونني بدمي/ فلا ترى في شباك العنكبوت سوى/ ما قد تناسل من جلدي ومن كفني.(ومت../ لأنك بعد الموت سوف ترى/ عينيك/ أحلامك الأولى/ وضحكتك العمياء/ سوف ترى ما كنت تعلمه..أو كنت ترسمه/ لكن ستدرك معنى أن تكون بلا معنى/لتصبح بعد الموت معترياً/ مع الحلول).ويختم القصيدة بالقول (تلك التي أيقظت فيك امتدادك للناي المهاجر/ حتى آخر الشجن/ جاءتك حاملة باقات أسئلة/ وأدمعا/ وبقايا قصة رحلت/ مع الرياح/ إلى أقصى التراب ولم/ تترك بصدرك إلا زفرة خرجت/ واستسلمت ثم قالت../غربتي وطني).