مسـتـشـار التحــصين المـــوسع لــ 14اكتوبر :
لقاء/ وهيبة العريقي:لا ندرك أحياناً خطأ ما تقترفه أيدينا من مشاكل نصنعها بأنفسنا ونظن أنها صغيرة، لكنها على غفلة منا قد تكبر ويستفحل خطرها.فالالتهابات الخفيفة خاصةً لدى صغار الأطفال- لإهمالنا لها- يمكن أن تتحول إلى حادة شديدة الوطأة بحيث لا يقوى الجهاز المناعي على صد عنفوانها، لاسيما وأن المنظومة الدفاعية للصغار- أساساً- محدودة وينقصها الكثير لتكون فعالة.والأبرز من بين العادات السيئة غير الصحية تلك المرتبطة بالولادة والتي تفتقر لأبسط مقومات السلامة والأمان، إلى جانب الانصراف عن القبول بأحد مقومات الحماية للنساء والمواليد، وهو التحصين ضد مرض الكزاز الوليدي المصنف عالمياً ضمن مجموعة الأمراض الخطيرة المهددة لصحة وسلامة الأمهات وحديثي الولادة.في اللقاء التالي الذي أجريناه مع الدكتور محمد محمد حجر- مستشار وزارة الصحة العامة والسكان للتحصين الموسع- بيان وتفصيل لمعضلة الكزاز الوليدي وسِمَاته الإمراضية الخطيرة والقاتلة، وتوضيح الأهمية والجدوى من إقامة حملة تحصين للتخلص من هذا المرض خلال الفترة من (9 - 14 أكتوبر2010م)، لضمان حماية الأمهات والمواليد من تهديداته.[c1]مشكلة الكزاز[/c]وقوفاً على مشكلة الكزاز الوليدي .. ما تقييمك لها؟ وما مجمل الظروف المهيئة لهذا المرض والبيئة الملائمة لاستمرار سريان عدواه في المجتمعات؟ تحتل اليمن بطبيعة الحال مرتبة متقدمة بين الدول التي ينتشر فيها مرض الكزاز، ولا يوجد فيها كغيرها من دول العالم الثالث حصر شامل ودقيق لحالات الإصابة والوفيات الناجمة عنه. ووفق معايير منظمة الصحة العالمية فإن التخلص من الكزاز الوليدي يتحقق لدى حدوث أقل من حالة واحدة لكل ألف ولادة حية. الأمر الذي يستدعي بالضرورة رفع معدل التطعيم بلقاح الكزاز الوليدي ورفع معدل التغطية للولادات النظيفة المأمونة للتخلص من هذا المرض القاتل.بالتالي من الضروري بيان حقيقة مرض الكزاز(التيتانوس). فهو مرض خطير تسببه بكتريا عصوية الشكل، لا هوائية تطلق سمومها من موقع الجرح الملوث بهذه الجراثيم ليسري في الجسم وينتشر في الجهاز العصبي “ الألياف العصبية” ويصيب المخ والنخاع الشوكي.وتتميز هذه الجراثيم بقدرتها على العيش في الأوساط المختلفة في البيئة وعلى تحمل الجفاف وارتفاع درجة الحرارة لفترة طويلة، وتتحين الفرص لتنتقل إلى الإنسان عبر حرق أو تهتك أو جرح أو قطع غائر على الجلد أهملت نظافته لتلوثه، أو تلوثه بفعل قطع أو جرح بأداة أو شيء حاد ملوث (مسمار أو قطعة زجاج..).ومن الممكن تلوث مهبل الأم بجراثيم الكزاز عند الولادة غير النظيفة نتيجة استعمال المولدة أو القابلة لأدوات غير نظيفة وغير معقمة. والشائع كثيراً تلوث الحبل السري بهذه الجراثيم ، لاستخدام أدوات حادة غير معقمة في قطعه، (كالمقص- السكين- الموس غير الجديد..) أو تلوثه لربطه بخيط غير معقم. فكل هذه الأشياء قد تبدو لنا في ظاهرها نظيفة، وهي ليست كذلك.أيضاً جراء وضع مادة ملوثة على سرة الوليد مثل ( الكحل - السمن -التراب- الرماد.. ) ولا يمكن اعتبار هذه المواد أو غيرها نظيفة طالما أنها ليست طبية.الأمر الأخر الخطير يكمن في الختان، عند اللجوء فيه إلى استخدام أدوات أو مواد ليست نظيفة ولا معقمة ؛ ولا سريان للعدوى مباشرة من شخص لآخر .وما أود توضيحه أيضاً أن أمعاء الحيوانات والإنسان هي مستودع لجراثيم الكزاز. حيث تكون فيها عصيات الكزاز كامنة لا تتسبب بأذى، لكنها خارج الأمعاء تكون ضارية عندما تخرج مع روث الحيوانات وبراز الإنسان وتستطيع البقاء في هذه القاذورات أو بدونها في التراب وقد تعلق بالغبار وعلى الأدوات غير النظيفة التي يستخدمها الإنسان أو تلك التي تعد من النفايات كقطع الزجاج المتناثرة والمسامير .[c1]الحضانة.. وتطور الأعراض[/c] كم المدة التي يستغرقها المرض في الجسم حتى ظهور الأعراض المرضية وتبعاتها ؟ وكيف يبدو حال المريض لدى ظهورها وتطورها وصولاً إلى المضاعفات؟حضانة المرض أساساً تعتمد على نوع الجرح ومداه وموضعه وتتراوح عموماً بين (3-28 يوماً). وهي قصيرة- إلى الحد الأدنى- عند إصابة المواليد والأطفال الرضع لضعف المنظومة المناعية لديهم .ويتميز المرض بتقلصات عضلية مؤلمة في عضلات المضغ وصعوبة في الرضاعة، ثم تمتد التقلصات إلى الرقبة، يليها تقلصات في عضلات الجذع وباقي الجسم، وكذلك شد في عضلات البطن وانقباض أصابع اليدين . كما ترتفع درجة حرارة الجسم ( الحمى) .وتزداد الحالة تدهوراً عند حدوث نوبات من التشنجات العامة لعضلات الجسم، وكثيراً ما تثيرها المنبهات الحسية مثل الضوء والضجيج..الخ.ومن العلامات المرضية الأخرى، انتفاخ البطن وعدم القدرة على التبول والتبرز وزيادة دقات القلب. وهناك أيضاً مظاهر مميزة جَلية، مثل تقوس الظهر والتعبير على الوجه الذي يبدو شبيهاً بالابتسامة الساخرة بسبب تشنج عضلات الوجه ؛ إلى جانب أن الصعوبة في الرضاعة بالنسبة للوليد تتحول إلى عجز كامل عن الرضاعة لدى زيادة تدهور حالة الإصابة .ويسفر تكرار المحاولات بصورة أو بأخرى لتغذية الرضيع بالحليب غير القادر على الرضاعة عن حدوث (شرغة) وانسياب الحليب إلى الرئتين، ما يسبب التهاباً شديداً وخطيراً في الجهاز التنفسي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة. وبالمناسبة فإن نسبة الوفيات بمرض الكزاز الوليدي عموماً عند الرضع قد تصل إلى(90 %).كما أن من المشاكل الخطيرة التي يسببها المرض، صعوبة التنفس، مفضياً بعدها إلى فشل عملية التنفس بفعل تشنجات العضلات.[c1]معايير الوقاية[/c] ما مجمل الشروط والمعايير اللازمة لوقاية الأمهات وأطفالهن من مرض الكزاز الوليدي ؟الشرط الأول: البيئة الصحية الخالية من التلوث أثناء التوليد (الولادة النظيفة ) لمنع انتقال جراثيم الكزاز إلى الأم ووليدها. أما الشرط الثاني: فهو تحصين الإناث في الفئة العمرية من (15-45 عاماً) ضد داء الكزاز الوليدي، ويشترط في الولادة لتكون نظيفة وآمنة، استخدام الأدوات النظيفة والمعقمة اللازمة للولادة ولقطع وربط الحبل السري للوليد حتى لا ينتقل المرض إلى الوليد وأمه.هذا يعني توفير متطلبات الولادة النظيفة، كالفراش النظيف وقطع القماش النظيفة، وغسل المولدة ليديها جيداً بالماء والصابون، وقطع الحبل السري بأداة حادة معقمة، كالموس الجديد ، وربطه بخيط معقم سبق غليه في الماء على الأقل لنصف ساعة، وألا توضع أي مادة ملوثة على سرة الوليد، مثل (الملح- الكحل- الرماد- التراب..الخ).والتحصين الروتيني للأمهات ضد الكزاز الوليدي، وللأطفال دون العام باللقاح الخماسي المركب للوقاية من خمسة أمرض ومنها مرض الكزاز، إلى جانب التطعيم في الحملات للتخلص من هذا الداء، يعد بمثابة الشق الأهم المكمل للولادة النظيفة في الوقاية.وبالتالي لابد له من الالتزام بمواعيد أخذ الجرعات لتكون الوقاية كاملة غير منقوصة، على النحو المدون في كرت التطعيم المقدم من المركز الصحي أو الوحدة الصحية.وأشير هنا إلى أن التحصين الكامل لجميع الفتيات والنساء في سن (15-45 عاماً) بالجرعات الخمس ضد الكزاز الوليدي يؤدي إلى اكتسابهن مناعة كاملة مدى الحياة، وللمواليد لفترة مؤقتة قد تمتد إلى شهرين من بعد الولادة، سواءً حصلن على جرعات الوقاية من المرض من خلال المرفق الصحي بما يطلق عليه (التطعيمات الروتينية) أو عن طريق التطعيم في الحملات التي تنفذها وزارة الصحة العامة والسكان. وبناءً على الجدول الزمني للجرعات، تُعطى الجرعة الأولى للفتيات والنساء في عمر (15-45 عاماً) في أول زيارة للمرفق الصحي، وبعد شهر تعطى الجرعة الثانية، ثم الجرعة الثالثة بعد ستة أشهر من موعد الجرعة الثانية، والرابعة بعد عام من الجرعة الثالثة ، وأخيراً الخامسة بعد عام من الجرعة الرابعة أو في الحمل التالي. الشق الثاني، لابد من حماية الأطفال من مرض الكزاز الوليدي عند بلوغهم الأسبوع السادس من العمر، فمن خلال التحصين الروتيني في المراكز والوحدات الصحية أو مراكز الأمومة والطفولة أو المستشفيات يحصلون على اللقاح الخماسي المضاد للعديد من أمراض الطفولة القاتلة والتي من بينها مرض الكزاز، ضمن الجرعات الروتينية بمواعيدها المحددة في جدول التحصين المدون على بطاقة التطعيم. ولابد من استكمال جميع جرعاته والالتزام بمواعيدها لضمان حماية الأطفال ووقايتهم من أمراض الطفولة القاتلة ومن ضمنها مرض الكزاز القاتل. وعلى النحو المتعارف عليه والمعمول في بلادنا يأتي موعد الجرعة الأولى للقاح الخماسي المتضمن أيضاً لقاح الكزاز الوليدي عند بلوغ الطفل الأسبوع السادس من العمر، تليها الجرعة الثانية بعد أربعة أسابيع من الجرعة الأولى، ثم الجرعة الثالثة بعد أربعة أسابيع من الجرعة الثانية،هذا كل ما في الأمر. [c1]نقطة مهمة[/c] الذين يتعرضون إلى حوادث عارضة، كدوس زجاج مكسور أو مسمار بالقدم، أو جرحه بأية أداة حادة ملوثة وجارحة للجلد.. آلا يفترض حصولهم على جرعة من اللقاح المضاد للكزاز لمنع الإصابة ؟ وكيف يتأتى فرض الممارسات النظيفة أثناء التوليد؟هذا مؤكد وضروري في أحوال كهذه ؛ حيث تُعطى أولوية للتطعيم بالمصل المضاد للكزاز(التيتانوس) عند حدوث إي جرح أو تهتك جلدي لأي ٍكان، بمن فيهم الجرحى ذوو الإصابة بأدوات حادة والمصابون بالحروق.ومن ناحية أخرى لا بد من تدريب الممارسات للتوليد ( القابلات) على التوليد النظيف والآمن. وأطباء الجراحة والممرضون والممرضات وفنيو الصحة أيضاً ملزمون في كل التدخلات الجراحية بممارسة التعقيم للأدوات المستخدمة في المجارحة أو الجراحة .[c1]كفاءة التحصين[/c] ما الذي تأملونه من خلال تنفيذ حملة التحصين للتخلص من مرض الكزاز الوليدي؟خلال الفترة من (9-14 أكتوبر 2010م)، على مدى ستة أيام يأتي تنفيذ حملة نحو التخلص من الكزاز الوليدي، تستهدف تحصين الفتيات والنساء في سن الإنجاب بمحافظات (صنعاء- أبين- البيضاء- المحويت- المهرة- تعز- حجة- حضرموت المكلا- حضرموت سيئون- ذمار- شبوة- ريمه- عمران- مأرب) ، وأعني بالمستهدفات كل الفتيات والنساء في عمر (15-45 عاماً )، بمن فيهن العازبات وغير المتزوجات والحوامل على اختلاف أشهر الحمل. فجميعهن ستشملهن التغطية باستثناء من أتممن سلفاً الحصول على خمس جرعات كاملة من لقاح الكزاز، تعزيزاً لحماية ووقاية النساء في سن الإنجاب مدى حياتهن الإنجابية .