تعيش البشرية في الحقبة الراهنة من عالمنا نوعا من التمدد السياسي والاقتصادي والثقافي والقيمي على طول وعرض الكوكب الأرضي .ويبدو أن ملامح هذه الكوكبية بدت واضحة في رأس الشاعر الفرنسي هوجو حين أشار اليها قبل قرنين من الزمان وبالتحديد في مؤتمر للسلام ، ومما له دلالة على ذلك أنه ألقى خطابه في ذلك المؤتمر الخاص بالسلام على اعتبار أن اندماج شعوب الكوكب مع بعضها البعض دون الوقوف عن الحد من شأنه أن يمنع اندلاع حروب ضارية بينهم ، تستخدم فيها مختلف أنواع القوة ، قوة السلاح والنفوذ تارة وقوة الاقتصاد والعقل والقوة الصناعية وقوة المعلومات المستندة الى القدرات والمهارات العقلية .لهذا تحدث هوجو عن حاجة الشعوب الى السلام والتوحد والتقدم بما ينفع كل بني البشردون المساس بهوياتهم وقومياتهم الى جانب هذا التوحد والاندماج .اليوم نجد الفضائيات ووسائل الاتصالات وتكنلوجيا المعلومات تربطنا بالاحداث في مختلف أنحاء العالم لحظة بلحظة وتنشر العلم والمعرفة على نطاق عالمي وتنشر السلع والخدمات أيضا .من المعروف أن الدول الصناعية نقلت العالم والبشرية قبل أكثر من ثلاثة قرون الى ما يمكن أن نسميه العالمية وهي التي قصدها هوجو دون أن يضع لها إصطلاحا محددا ، فقد نجحت الدول الصناعية منذ انطلاقتها في القرن السابع عشر في تجاوزالحدود و تحقيق انتشار واسع للاسواق .ولذلك كان الاستعمار عالميا وكانت الامبريالية عالمية أيضا ، حتى الدول الاشتراكية والقومية كانت عالمية ، حيث كان بمقدورها أن توسع نطاق نفوذها ، وعلاقاتها الدولية دون المساس بالحدود الجغرافية ودون تجاوز الخصوصيات والهويات والثقافات .لكننا الان وبسبب التقدم والتطور العلمي والمعرفي والتكنلوجي الاخذ في النمو يوما بيوم ، دخلنا مرحلة جديدة من مراحل العالمية لا بأس أن نسميها بالعولمة أو الكوكبية أو غيرها ، لكن مضمونها يتلخص في أن عالمية المرحلة الراهنة من الثورة الصناعية تدمج الحدود والهويات والثقافات والمصالح على نحو ما نشاهده اليوم ، حيث اصبح هناك عملاق كائن يرمز الى دول قومية ، وأصبحت الان عملة واحدة ترمز الى الوحدة واندماج الثقافات والهويات واختلاطها .. فلم يعد بمقدورأحد أن ينكفئ على نفسه ويقيم حوله ستارا حديديا كما فعلت بعض الانظمة الشيوعية .العالمية مرحلة تتميز بالانتشار الواسع والنفوذ وتعني بالحفاظ على التعددية والخصوصة الثقافية . وتدعو الى تبني قضاية مشتركة تعم البشر جمعاء . دون تمييزعلى اعتبار أن المصير مشترك.. فمثلا تعد التنمية والعدل الاجتماعي من القضايا بالغة الاهمية ، حيث يسهم تضييق الفجوة بين فقراء العالم واغنيائه في صنع التوازن وتحقيق الاستقرار الرخاء للكل . كما ان احتواء الصراعات الاقليمية وانهاء التوترات في نطاق الامن العالمي الاقليمي مسألة مهمة تخدم القيم والمصالح الانسانية المشتركة ...نعلم جيدا أن العولمة أصبحت ظاهرة كوضوح الشمس على الساحة الدولية بزواياها وأبعادها وتبدو بصماتها واضحة على الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا في القرن الواحد والعشرين ، حيث أصبح الجميع يدرك أهمية الانفتاح على العولمة وأدواتها ، لكن الجميع يخشى ايضا من قيمها بذريعة الخوف على الهوية والخصوصة. لذلك فان المشكلة الراهنة تكمن في هل يمكن أن ننفتح على أدوات العولمة وقيمها دون خسارة مع الاخذ بالاعتبار صعوبة الانفتاح على أدواتها فقط وادارة الظهر لقيمها بهدف تجنب دفع ضريبة استيرادها!!
أخبار متعلقة