صباح الخير
لعلكم تتذكرون ما أورده “ تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004م” من تسمية واقع دول النظم السياسية العربية بدول (الثقب الأسود)، في إشارة منه إلى المركزية الشديدة التي اتسمت بها معظم هذه الأنظمة.. وتستشفون من هذا الواقع مدى اتساع الهوة بين (السياسي) و (الاجتماعي)، ما يؤدي إلى إشكاليات في قسمة السلطة نتاج هذه المركزية الشديدة والتي تؤدي في المحصلة الأخيرة إلى إشكاليات توزيع الثروة وغياب قيمة العدل الاجتماعي.هذا الواقع، وما يترتب عليه من نتائج، لم يغرب عن بال فخامة الأخ الرئيس المعلم -حفظه الله – وهو بصدد استكمال بناء الدولة المؤسسية اليمنية الحديثة، دولة العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية. ومما يؤكد لنا ذلك توجهاته نحو إصلاح سياسي شامل، وسعيه الحثيث في توفير شروط زمن الإصلاح، وممكنات التأييد حول هذا الإصلاح.فبعد أن تأكد للأخ الرئيس أن التجربة الديمقراطية شبت عن الطوق، بعد مرورها بسبعة استحقاقات ديمقراطية منذ أبريل 1993م إلى سبتمبر 2006م ، وإن اقتران الديمقراطية بالتنمية أخذت تتعزز مداميكها، طرح مؤخراً مبادرته الرئاسية والتي جاءت بمثابة إصلاح سياسي شامل حددها في مسارين رئيسيين هما: تحويل نظام الحكم إلى رئاسي، والأخذ بنظام الحكم المحلي، وذلك ضمن النقاط العشر التي احتوتها هذه المبادرة.وكان الأخ الرئيس يهدف من مبادرته هذه إلى إعادة بناء علاقة جديدة ووطيدة بين الدولة والمجتمع بمعني بناء الدولة الديمقراطية المرتكزة على مقومات دستور ديمقراطي، والمؤسسة لنظام حكم محلي تتوطد من خلاله السيادة الحقيقية للجماهير في كافة المحافظات من خلال تمكينها من انتخاب قيادات الحكم المحلي، وإعطائها كافة الصلاحيات بما يضمن عدالة قسمة السلطة، وعدالة توزيع الثروة. وكل هذا يتطلب تعديلات دستورية تكفل مشروعية آليات تنفيذ مفاصل المبادرة الرئاسية في آن واحد مع مشروع الحكومة الداعي إلى إجراء بعض التعديلات الدستورية في ما يختص بقانون الانتخابات. ولعلكم تلاخطون أن المبادرة الرئاسية وما يمهد لها من تعديلات دستورية هي في الأساس مسائل مصيرية لا تحتمل التأجيل أو التهرب منها مما يفقدها شروطها الزمنية.. كما أنها ليست مسؤولية الأخ الرئيس والحزب الحاكم وحكومته فحسب بل هي مسؤولية الجميع سلطة وأحزاب معارضة ومنظمات مجتمع مدني. وبما أن مثل هذه المسائل المصيرية تتطلب من جميع أطراف العملية السياسية تجاوز أي شكل من أشكال المناورات الحزبية، أو فرض مطالب حزبية مصلحية مثل مطلب “الوفاق الوطني” وغير ذلك، فإنها تعتبر حقا وطنياً ومطلباً جماهيرياً يطرحان بشدة الابتعاد عن المساومة في القضايا الشرعية والدستورية والقانونية.. كما يطالبان كافة الأحزاب بالعودة إلى طاولة الحوار الوطني لما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا، ومن أجل المشاركة معاً في استكمال مقومات الدولة المؤسسية اليمنية الحديثة.