كل أحد
قد لا نحتاج إلى الاستعانة بصديق ليكشف لنا سراً خطيراً وهو أن حياتنا تعترضها الكثير من المشاكل والمعوقات؛ وقل “الأزمات” إن كان هذا سيرضي فريقاً في المعارضة أخذ على نفسه أن لا يهدأ له بال حتى يدفع السلطة إلى الاعتراف بأن هناك “أزمة” كما نسمع ونقرأ ونشاهد بلا توقف. ماذا يعني ذلك؟ وهل المشكلة هي فقط أن يعترف زيد أو عمر بأن حياتنا تعاني من مشاكل وتفاعلات جمة؟ شأننا في ذلك شأن سائر المجتمعات والدول وشعوب المعمورة! أعتقد أن مهمة الفرقاء في الساحة ـ وهذه تعني بالضرورة أنهم شركاء ـ ليست هي إثبات أو نفي المعلوم وتأكيد المؤكد. ومن غير المعقول أن تحتشد أحزاب وقيادات ورموز عليها القيمة وراء غاية مبسطة من قبيل إلجاء الآخر في المعادلة السياسية والوطنية إلى التأشير بعلامة (صح) وبالقلم الأحمر تحت فرضية “هناك أزمة”! نعم، ولتطب نفوسكم ـ هناك “أزمة” كيف لا وأنتم هؤلاء بيننا؟ وكيف تخلو الحياة من المشاكل، بالله عليكم؟ إلا إذا صحونا ذات صباح ولم نجد في حياتنا أحزاباً ومناضلين من الذين نصبر ونتصبر معهم لا لشيء، إلا لنحتسب الأجر عند الله.. ولأن ثواب الصابر عظيم! لا أعرف أن أحداً في بلادنا ـ حماها الله وهدانا لها ـ قد أدعى يوماً أن اليمن بلا مشاكل ولا منغصات وبلا تحديات كبيرة وكثيرة، وأيضاً خطيرة. بل ومنذ متى تخلو حياتنا من أشياء كهذه؟ لا بل ومن في العالم بلا مشاكل وأزمات بمقاييس وأشكال متفاوتة من بلد لآخر ومن دولة لأخرى؟! ما أعرفه ويعرفه كثر مثلي من المواطنين البسطاء والداعين باللطف هو أن رئيس الجمهورية ـ باعتباره رمز السلطة ورئيسها والرجل الأول فيها ـ لا يزال يرغب الفرقاء وأحزابهم بالحوار ويدعوهم إليه عشرات المرات في الشتاء ومثلها في الصيف، وعلى قاعدة المصلحة والثوابت الوطنية والدستورية. فلماذا يا ترى يفعل ذلك؟ إذا لم يكن يعرف أو يعترف بأن هناك أزمة ومشاكل وأنه لا يمكن مواجهتها إلا بالحوار والشراكة الوطنية والمسؤولية الجماعية! عشرات الدعوات والمبادرات يطلقها الرئيس لانتظام الحوار والتئام الأحزاب والمجتمع السياسي والمدني في شراكة حوارية تفضي ـ بالتأكيد ـ إلى حلول ومعالجات لمجمل وأهم ما يعترضنا من مشاكل وأزمات وقضايا. وبرغم ذلك تتكدس الاشتراطات في طريق الحوار ويهرب الفرقاء من فعل الحوار إلى افتعال النوائح والمآثم تباكياً على “الحوار المعطل”! وآخر الموسم نكتشف أن عبقرية غامضة وضعت لها هدفاً مركزياً ـ عظيماً ـ تجتهد في الوصول إليه جماعة من الأحزاب ورموزها ـ العظيمة جداً ـ وأن هذا الهدف ليس هو حل المشاكل أو البحث عن معالجات لدفع الأزمات وكف التأزمات المتلاحقة، وليس الوصول إلى شراكة وطنية وعملية حوارية مستمرة وإن تكن شاقة وثقيلة ولكنها شريفة ونزيهة عطفاً على موضوعها وغاياتها النهائية. ومن ذلك، يتضح أن الهدف العبقري والعظيم إنما يتلخص في إلجاء “الحاكم” أو “السلطة” أو “الحكم” ـ وجميعها مسميات تطلقها المعارضة بتفاوت وتناوب باتجاه الرئيس شخصياً وليس أحد غيره، لا حكومة ولا حزب حاكم ولا مؤسسات ولا أحد باستثناء الرئيس ـ واضطراره إلى “الاعتراف بأن هناك أزمة”!! يا سبحان الله.. إو أكاد أجزم على أن أحداً في البلاد قاطبة لا يدرك كنه الأزمات والمشاكل وخطورتها وأسبابها، الظاهرة واللامرئية، ومن يقف ورائها وماذا ينشد وإلى أين يدفع ويتدافع بالقضايا، وماهي المحاذير والمخاطر والنتائج المتعلقة بكل قضية وعنوان على حده أو مجتمعه.. لا أحد يلم بكل ذلك أكثر من رئيس الجمهورية. لماذا؟ السؤال متوقع وتقليدي. وإجابته كذلك متوقعة وتقليدية: لأنه الرئيس، ولأنه قطع نصف عمره في هذا الطريق وخبر أهله وناسه، تماماً مثلما خبر الشركاء والأصحاب والمناوئين والخصوم - ولا أقول الأعداء لأن هؤلاء يعرفون جيداً أن العداوة لا وجود لها في قاموس/ علي عبدالله صالح. بعد هذا كله يكتشف جماعة - وأيم الله أننا لا نكرههم وإن كنا لا نجدهم يساعدوننا والناس على أن نحبهم باطمئنان - من أهل الأحزاب والمناضلين الجدد وأن مسؤولياتهم ونضالهم إنما يتحدد بدرجة قصوى في انتزاع الاعتراف بأن هناك “أزمة”!. كم نحتاج مع هؤلاء المحترمين وقتاً وجهداً بعد ذلك للتعرف - بعد الاعتراف - على أوجه ومسببات ودواخل ودخائل هذه الأزمة؟ وكم نحتاج بعدها, أيضاً للبحث عن معالجات وحلول؟ وكم نحتاج إلى الوقت الكافي لإقناعهم بالحوار حول كل ذلك؟!. إذا وببساطة، هل يمكن أن تقبلوا بالحوار الآن؟ وبعد الفراغ من الحوار والتوافق على الحلول والمعالجات وفك الحصار المضروب حول قائمة من الاستحقاقات الوطنية المهمة التي لا تقبل التأجيل والترحيل أكثر مما مضى.. لضيق الوقت “وقلة المصروف وكثرة الدين” بعدها يمكننا معاً مطالبة الأخ الرئيس حفظه الله بتلبية الرغبة - “المشتركة” - وإصدار مرسوم رئاسي مفاده : “نعم - كانت - هناك أزمة”!! فعلى ما يبدو أننا أمام حالة فريدة أخرى تزكي الخصوصية اليمنية التي نتحدث عنها!. يا جماعة بطلوا المكابرة والمقامرة ما فيش فائدة إلا أن تعترفوا الآن وبدون تردد أن الأزمة ليست هنالك وإنما هنا.. في التعرف عليها وليس الاعتراف بها. لأننا نكتوي بها ولا نحتاج إلى دليل أو اعتراف أكبر من هذا. فقط هل أنتم جادون في التعرف عليها والاعتراف بالحوار والشراكة الوطنية كسبيل أمثل للحل وتجاوز مرحلة “حبتي وإلا الديك”؟! وأخيراً.. أعترف أنني أشفق على الرئيس كثيراً واحسده على خبرته وصبره وسعة صدره، وأدرك أنه لو كان أحد معارضيه اليوم هو الرئيس لزج بهؤلاء جميعاً في السجن وهي الأزمة التي يطلبها البعض حقيقة.. ولن ينالوها منه.. لأنه / علي عبدالله صالح.شكراً لأنكم تبتسمون.