كان احتلال العراق في 20 مارس 2003م ومازال من أبرز الأحداث بل التحولات في منطقتنا العربية، إن لم يكن في العالم أجمع خلال الخمس سنوات المنصرمة، حيث أصبح العراق الدولة الثانية بعد فلسطين تحت الاحتلال المباشر من قبل دولة مستعمرة مع الحلفاء.لم يكن احتلال العراق مفاجئاً، ولم تكن فكرة الاحتلال غائبة عن الإدارة الأمريكية أو وليدة اللحظة، وفي عودة لمقالة جورج سوردوس تحت عنوان فقاعة الهيمنة الأمريكية قامت بترجمتها شيرين حامد حيث جاء فيها:(لا غبار ولا شك في تربع الولايات المتحدة على كرسي الهيمنة منذ انتهاء الحرب الباردة، ومن ثم فهي في موقع يسمح لها بفرض آرائها ومصالحها وقيمها، ومن المفترض أن يستفيد العالم من تطبيق تلك القيم، لأن النموذج الأمريكي قد نجح في إظهار هيمنته وبما أن الإدارتين السابقتين قد فشلتا في الاستفادة الكاملة من القوة الأمريكية المتاحة، فأنه يصبح من اللازم والضروري أن يتم تصحيح هذا الوضع، وأن تجد الولايات المتحدة طريقاً لتأكيد هيمنتها على العالم.يعتبر هذا النمط من السياسة الخارجية جزءاً من أيديولوجية متكاملة، يطلق عليها عادة اسم “التيار المحافظ الجديد”.. ولا يخضع جميع أعضاء حكومة بوش الى هذه الأيديولوجية، إلا أن المحافظين الجدد يشكلون جماعة ذات تأثير عالٍ في داخل هذه الحكومة وهم الذين نادوا باحتلال العراق في بداية عام 1998م، وقد تولت أفكارهم منذ الحرب الباردة ثم باتت تأخذ طابعاً تفصيلياً في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، ولم يتمكن هؤلاء المحافظون من إنزال أيديولوجيتهم على أرض الواقع قبل الحادي عشر من سبتمبر لاعتبارين:1/ إن الرئيس بوش الأسبق لم يكن لديه التفويض الكافي لقد صار رئيساً بفضل تصويت آحادي في المحكمة العليا.2/ إن أمريكا لم يكن لديها عدد واضح الملامح يمكنه تبرير الارتفاع الدراماتيكي في الإنفاق العسكري.لقد قامت أحداث سبتمبر بإزاحة العائقين، وأعلن بوش الحرب على الإرهاب واصطف الجمهور الأمريكي وراء رئيسه، وبعدها أكملت الإدارة الأمريكية طريقها مستغلة الأحداث لمصالحها الشخصية.لقد تأسس مذهب بوش الذي تم التلفظ به لأول مرة في خطبة رئاسية بـ “ويست بوفيت” في شهر يونيو 2002م الذي تم إدراجه ضمن استراتيجية الأمن القومي في غضون ثلاثة أشهر على محورين:1 - إن الولايات المتحدة ستفعل كل ما في وسعها وطاقتها للحفاظ على هيمنتها العسكرية غير المشكوك فيها لدى الجميع.2 - إن الولايات المتحدة سوف تنتحل الحق في ممارسة الضربات الوقائية.السعي وراء الهيمنة الأمريكية يمكن وصفه بالفقاعة، فالمكانة المهنية التي تحتلها الولايات المتحدة في العالم تمثل عنصر الحقيقة التي يتم تشويهها وتحريفها، أما الافتراض الذي يقول إن الولايات المتحدة ستكون في وضع أفضل إذا ما استخدمت مكانتها في فرض قيمها ومصالحها على الناس كافة، فهو افتراض لا يمثل إلا سوء الفهم والإدراك، بل أن الأمر معكوس تماماً، أين نحن من هذه العملية الفقاعية؟إن الوضع المتدهور في العراق ليس إلا لحظة متجلية للحقيقة أو لحظة متجلية للامتحان، فاذا تم التغلب عليها بنجاح سيستمر الوضع على ما هو عليه، بل سيزداد سوءاً.وبغض النظر عن التبريرات التي تعنيها لخلع النظام الصدامي إلا أنه لا يوجد شك واحد في احتلالنا للعراق لم ينطلق إلا من دعاوى واهية، ومن حجج كاذبة، وسواء بقصد أم بغير قصد وسواءً بعلم أم بغير علم، فقد قام الرئيس بوش بخداع الجمهور الأمريكي وبخداع الكونجرس الأمريكي، ماشياً بفعله على آراء الحلفاء والأصدقاء، ولم يكن للصراع المتزايد بين توقعات الإدارة الأمريكية وبين الوضع الحقيقي للأمور ان يتسع أكثر من ذلك، ولم يكن من الممكن ان تزداد الهوة أكثر من ذلك، وانه لمن الصعب حقاً ان تجد في الآونة الأخيرة عملية عسكرية منيت بهذا الفشل الذريع كما منيت عمليتنا العسكرية في العراق.إننا إذا أردنا دليلاً واحداً على أكذوبة الحلم الأمريكي للهيمنة فلن نجد أدل من واقعة احتلالنا للعراق.هذا الكلام ليس كلامي، ليس كلام أي عربي انه كلام السيد جورج سوردوس.نحن نعرف وندرك ونفهم ما تريده وتسعى له الولايات المتحدة الأمريكية لغرز إستراتيجيتها، لغرز أهدافها، لغرز مصالحها، ونعرف أكثر من ذلك ان الذرائع والشعارات التي استخدمتها في العدوان على العراق لا أساس لها من الصحة.ليس صحيحاً تبرير العدوانية على العراق واحتلاله بانها ردة فعل على أحداث سبتمبر.ليس صحيحاً الخوف من أسلحة الدمار الشامل التي ادعوا ان صدام حسين يمتلكها.ليس صحيحاً الشعار الذي رفعته الإدارة الأمريكية مقاومة حظر الإرهاب العالمي.إدارة بوش التي ينتمي معظم أعضائها إلى اليمين الصهيوني لا تشعر بحاجة ولا إلى مبررات لشن الحرب وتغيير النظام العراقي بالقوة، فاليمين المسيحي الصهيوني، فضلاً عن اليمين العلماني قد بدأ ينهض وينمو ويقوى منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي أبان رئاسة ريجن، وحتى ان معظم “صقور الإدارة الأمريكية الحالية كانوا في إدارة الرئيس بوش”.ائتلاف اليمين المسيحي واليمين العلماني واللوبي الصهيوني “ايباك” له أكبر التأثير على قرارات الحكومة ومواقفها من إسرائيل وفلسطين والعراق والوطن العربي.أمريكا تشعر إنها تمتلك أكبر قوة على الكرة الأرضية، ولذلك تبنت السياسة التوسعية العدوانية المغامرة، والضربات العسكرية التي نسميها استباقية.لم تكن أهداف الحرب خافية على أحد بل كانت واضحة وشبه معلنة، وأهمها:1ـ إحكام السيطرة على النفط العراقي الذي يعتبر ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد السعودية.هذا الأمر يندرج ضد استراتيجية كبرى للسيطرة على مواقع النفط في العالم، سواء من خلال التحكم المباشر به، أو عبر الشركات الأمريكية.وحتى نكون أكثر وضوحاً فهذا الموضوع هو المحرك الفعلي لمعظم السياسات الأمريكية في العالم، ومن أجل هذا اعتبرت أمريكا نفسها بأنها شرطي العالم الذي يقود معسكر الخير في مواجهة معسكر الشر، ورفعت شعار (من ليس معنا فهو ضدنا). هذه السياسة أربكت دول العالم خاصة العربية والإسلامية، وجاء غزو واحتلال العراق ليشكل بادرة خطيرة في العلاقات الدولية ، حيث لم يسبق لدولة استعمارية بعد الحرب العالمية الثانية أن استولت على بلد ووضعت عليه حاكماً عسكرياً أو مدنياً وأعلنت بوقاحة أنها ستبقى فيه حسب ما تراه مناسباً . لقد قامت أمريكا بغزو أفغانستان ، وأسقطت النظام السياسي الحاكم هناك ، لكنها أقامت نظاماً عميلاً مرتبطاً معها بشكل مباشر وأبقت قواتها بقرار دولي ، ولم يعين حاكم أمريكي عليه ، لكن العراق كان حالة مختلفة ومتقدمة بالعدوانية الأمريكية، ونموذجاً مختلفاً حيث احتلت العراق وعينت حاكماً أمريكياً فيه. 2 - كانت أمريكا تريد تغيير النظام العراقي ، ليس لأنه نظام شمولي ، واستبدادي، ولكن كونه اتخذ موقفاً مبدئياً من القضية الفلسطينية وتحالف مع الفصائل الوطنية وقدم دعماً لها. 3 - أرادت أمريكا من خلال احتلالها للعراق أن تغير المعادلات العسكرية الأمنية في الإقليم الخليجي كاملاً. في فترة ما قبل الحرب واحتلال العراق كان لأمريكا قواعد عسكرية منتشرة في دول خليجية ، بالإضافة إلى حضورها البحري الكثيف في المنطقة ، وكانت أمريكا تستفيد من المشاكل بين الدول الخليجية نفسها في إقامة قواعد لها ولكن بعد احتلال العراق أخذ يتواجد ما يقارب 150.000 جندي أمريكي بشكل مباشر على أرض العراق، وأخذت تبني قواعد عسكرية ضخمة في شماله وجنوبه ووسطه. بعد احتلال العراق، أمريكا نفسها أصبحت محسوبة من القوة الإقليمية في المنطقة، في موقع يمكنها من فرض شروط الأمن على دولها. 4 - أرادت أمريكا من خلال احتلالها للعراق أن تؤسس لنظام شرق أوسطي جديد تابع لها، ولمخططاتها ، والتي تلتقي مع حلم الصهاينة في تحقيق إنجازات على الأرض لمصلحة المشروع الصهيوني ، والذي عجزت عن تحقيقه في فترات سابقة رغم امتلاكها كل الإمكانيات العسكرية. [c1]واجبنا تجاه العراق [/c]الحالة العراقية ، والحالة الفلسطينية واحدة ، العدوان أمريكي إسرائيلي، وبات من الصعب فصل الهدف الأمريكي في العراق عن الهدف الإسرائيلي في فلسطين ، فالمسألة تتعلق بترتيب وضع المنطقة، والمتضرر الأكبر بعد احتلال العراق هي فلسطين. إسرائيل هي جزء من المصالح الإستراتيجية الأمريكية، وفي نفس الوقت ذراع استراتيجي أمني في المنطقة ، وأمريكا تضع اليوم المقاومة الفلسطينية على رأس الإرهاب ، كما وضعت النظام العراقي على رأس الإرهاب ، وهذا عكس نفسه سلباً على الوضع في فلسطين ، حيث ازداد العدوان ، والقتل والاغتيال، وضم الأراضي خلال السنوات الخمس تلك .. اليوم تعمل حكومة الكيان الصهيوني على استثمار الحرب على العراق من خلال : الاستمرار في الحرب على الفلسطينيين بأقصى مستوى ممكن. توظيف احتلال العراق في فرض تسوية سياسية تستجيب لرؤيتهم وأهدافهم.إن احتلال العراق ، ونهب ثرواته، واغتيال مواطنيه إنما هو عدوان على الأمة العربية جمعاء ، ومن هذا المنطلق أصبح من الضروري تقديم كل أوجه الدعم للمقاومة العراقية الوطنية ، والتي تعمل من أجل طرد المحتل وتحرير العراق من المستعمر الجديد. مطالبة أمريكا وبريطانيا الانسحاب من العراق ، وهذا أصبح واجباً وطنياً ويجب أن لا نكتفي بالنقد والإدانة في أحسن الأحوال، والتخلي عن العراق معناه التخلي عن آمال وطموحات أمتنا العربية. مطالبة أمريكا بإجلاء قواتها من الأراضي العربية عامة وإغلاق القواعد العسكرية ، وعدم تقديم أي تسهيلات لها ، وهذه مسؤولية يتحملها النظام العربي الرسمي. التمسك بالثوابت القومية والوطنية ، وأهداف الأمة المشروعة في الوحدة والتقدم والتحرر ضد كل من يسعى لينال من هذه الأمة وآمالها. إننا نتطلع إلى عراق حر منتصر على أعدائه حتى يلعب دوره المعتاد في تعزيز الوحدة العربية ، والتمرد من الصهيونية المحتلة لأرضنا الفلسطينية. ما خططت له أمريكا ، وما تخطط له ليس قدراً ، ومن المؤكد أن شعوب المنطقة ستأتي يوماً لتأخذ دورها وتقاوم هذا الاستعمار الجديد ، كما قامت بالسابق في محاربته ودحره ، وانتصرت عليه. إن الانتصارات التي حققتها أمريكا وإسرائيل نتيجة تفوقها العسكري لن تطول ، فالشعب العربي صاحب الخبرة بالنضال والمقاومة، والنموذج الفلسطيني واللبناني سيتكرر في كل أرض عربية يحتلها الغزاة. إن منبع الخطر والشر الذي يتهددنا وفي هذه المرحلة وأكثر من أي وقت مضى ، هو طمع وعدوانية الولايات المتحدة الأمريكية ، وركيزتهما في قلب أرضنا، الكيان الصهيوني ، وما يؤسفنا أنه يوجد من لا يشاركنا هذه الرؤيا لهذا الخطر ، والأسوأ من هذا أن البعض ذهب يتلمس حلاً من ألد أعدائنا ويراهن على ذلك. وتقاريرهم. أسلحة دمار شامل ماكو ؟علاقات نظام صدام حسين مع بن لادن ماكو ؟ استقبال العراقيين بالورود للجيش الأمريكي ماكو ؟ديمقراطية ماكو ؟ لم يرفض العراقيون في الشوارع يوماً سقوط بغداد.إن الحرب على الإرهاب التي تبنتها إدارة بوش لن يكتب لها الانتصار، والعكس هو الصحيح ، فمن يصفوهم بالإرهاب لن ينتهوا أبداً ولن يكفوا عن الاحتجاج ضد الهيمنة الأمريكية ، ولابد من وضع التهديد الإرهابي في إطاره الصحيح والمضبوط والمقاومة في العراق ليست إرهاباً والمقاومة في فلسطين حق مشروع كفلته كل المواثيق الدولية، فلماذا نتخلى عن هذا الحق ؟ [c1]* ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اليمن [/c]
أخبار متعلقة