مع الاحداث
من المؤكد جداً أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يتخبط منذ بداية رئاسته للولايات المتحدة، وأن هذا التخبط يزداد مع مرور الأيام، وما من شك في أن تخبطه سيزداد في الشهور الأخيرة، التي يعتبرها المراقبون في إطار ما يسمى الوقت الضائع، وهو بالنسبة لهذا الرئيس المأزوم يشكل كابوساً تتراءى له أشباحه في اليقظة أكثر مما تتراءى له في المنام. وأسباب ذلك كثيرة، فهو لا يواجه تبعة المأساة أو الكارثة التي صنعها لأمريكا في العراق وأفغانستان فحسب، وإنما يواجه المأساة الداخلية المتمثلة في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الباعثة على القلق والأرق، لذلك فهو يحاول الهروب منها الى أي مكان وفي أي وقت يتسنى له، وليكن هذا الهروب هذه المرة إلى إفريقيا، في سياق دعاية إعلامية تحاول أن تشي بشيء من الفرح المفقود للشعب الأمريكي، وتصوره بأنه سيفتح القارة السوداء للمصالح الأمريكية، في حين أنها قد أضحت قارة فقيرة لم يبق الاستعمار القديم فيها سوى الجوع والأمراض الخطرة. ومع ذلك فأفراد من الإدارة الامريكية، وعلى رأسهم ديك تشيني نائب الرئيس، هذا الرحالة، يحاولون إثبات قدراتهم على تسويق الأوهام للشعب الأمريكي، وأنه بعد نفط العراق الذي تعتبره الإدارة نفطاً أمريكياً بفضل الاحتلال، يأتي الوعد والتبشير بالقارة الإفريقية بفتح أسواقها وثرواتها. إن الرئيس بوش، كإدارته تماماً، يبدو مضطراً الى المزيد من الأكاذيب، ومضطراً ايضاً الى اللجوء الى الأوهام، لكي يداوي عجزه الفاجع عن مواجهة الحقائق المؤلمة في الداخل والخارج، وحتى لا تبقى أنظار الشعب الأمريكي شاخصة الى مكان المأساة الأكبر في العراق، فلا بد من شد هذه الأنظار بعيداً، ولو لأيام معدودة، وإن كانت الأغلبية في الولايات المتحدة غير قادرة على أن تحول أنظارها بعيداً عن المستنقع، الذي صنعه بوش الابن، وتجار النفط الذين زينوا للمواطن الأمريكي “نزهة الحرب”، وركوب بساط الريح الى بغداد السندباد وألف ليلة وليلة، وكانت النتيجة هذه الكارثة بما تحمله من تداعيات، ستظل كوابيسها تطارد بوش الابن في وقته الضائع، وإلى ما بعد رحيله من البيت الأبيض. ومن تحصيل الحاصل القول إن المواطنين الأفارقة في البلدان التي سيمر بها الرئيس بوش تعرف جيداً ما صنعه في حق العالم والولايات المتحدة، وتعرف جيداً أنه أصبح بطة عرجاء لا حول لها ولا قوة، لذلك فإنهم يستقبلونه لا كرئيس للولايات المتحدة، وإنما كسائح أمريكي جاء ليتعرف الى معالم بعض العواصم الإفريقية، ويشهد ما تتمتع به من مخلفات “الرجل الأبيض”، الذي لم يكتف بأن يسطو على كل شيء، بل سعى بكل ما لديه من خبرات وتقنية إلى أن يفسد العلاقات بين شعب إفريقي وجيرانه، وأن يدمر العلاقات الأخوية داخل مكونات هذه الشعوب وقبائلها، وما من بقعة في القارة السوداء إلا وهي تعاني من حالات الاحتراب والتمزق. ثم، وهذا هو الأهم، لقد فشلت الولايات المتحدة في الماضي البعيد، كما فشلت في الماضي القريب، في أن تجتاح إفريقيا، وكان ذلك في عهود رؤساء يحتفظون بقدر غير قليل من الاحترام والمصداقية، فكيف سيتاح لها ذلك في عهد هذا الرئيس فاقد المصداقية ومنتهي الصلاحية؟ [c1]* صحيفة (الخليج) الاماراتية [/c]